كتبت دوللي بشعلاني في "الديار": منذ أكثر من 75 عاماً، شكّلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، شريان حياة للاجئين الفلسطينيين في لبنان. لكن الأزمات المتلاحقة منذ العام 2023 وضعت مستقبل هذه الوكالة في دائرة الخطر، وهدّدت مسألة استمرارها في تقديم الخدمات. فالتمويل الشحيح الذي بدأ يخفّ تدريجياً لاعتبارات عديدة، والتوترات الأمنية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، انعكست مباشرةً على الخدمات التعليمية والصحية والإنسانية وتحسين ظروف المخيمات، ما أثار مخاوف واسعة بين اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين، على حدّ سواء.
هل يُهدّد النقص الحاد في التمويل بتوقّف "الأونروا" عن عملها، أو إغلاق مكاتبها في لبنان بشكل نهائي، تؤكّد الأوساط الديبلوماسية بأنّه حتى خريف العام الحالي، لم تُعلن "الأونروا" عن نيتها الانسحاب الكامل من لبنان أو إغلاق مكاتبها نهائياً، لكنها حذرت من أن استمرار العجز المالي قد يؤدي إلى المزيد من التخفيضات في الخدمات.
وكان المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني قد حذّر في تصريحات سابقة، من أنّ استمرار النقص في التمويل قد يؤدّي إلى إغلاق بعض المكاتب، والى خفض كبير في الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية وخدمات الدعم الغذائي.
فالوضع المالي للوكالة يبدو حرجاً في العام الحالي، ولم يتمّ تغطية سوى نصف ميزانيتها، ما يجعل استمرار تقديم الخدمات على المستوى نفسه شبه مستحيل. ولهذا، أوضحت الأوساط أن "الأونروا" تعمل حالياً على تأمين تمويل إضافي من الدول المانحة لتغطية الفجوة المالية، سيما وأنّ ميزانيتها التشغيلية لهذا العام تبلغ 880.2 مليون دولار أميركي، وأنّ الفجوة التمويلية من هذا المبلغ وصلت إلى 153 مليون دولار في العام الماضي (2024)، كما بلغت الميزانية 848 مليون دولار في العام 2023، مع فجوة مالية قدرها 126 مليون دولار. فتوقّف بعض الدول عن دفع مساهماتها، أثر على الميزانية المخصّصة للبنان. كما أنّ أي تقليص إضافي في الخدمات سيزيد من المعاناة لدى اللاجئين، خصوصاً في التعليم والصحة، ويؤثر على استقرار الأسر الفلسطينية فيه.
كما تحاول "الأونروا"، وفق الأوساط، تأمين مبلغ 2.164 مليار دولار أميركي لندائها الطارىء، الذي يشمل لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلّة، سيما وأنّ استمرار الأزمة المالية يعني أن التخفيضات غير القابلة للتجنّب ستحدث عاجلاً أم آجلاً.
ويشير المراقبون إلى أن هذه التحديات المالية والتشغيلية تتزامن مع ضغوط سياسية أوسع على ملف اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة حقّ العودة ومسألة التوطين.
في الوقت نفسه، ينعكس وضع "الأونروا" على المحيط اللبناني، فتراجع خدماتها يضع ضغطاً إضافياً على المدارس والمستشفيات اللبنانية، ويزيد من هشاشة المخيمات والتجمعات الفلسطينية في البلاد، ما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية إضافية. من هنا، تقول الاوساط بأنّ "الأونروا" في لبنان تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، فاستمرارها في تقديم خدماتها ليس مجرد مسألة إنسانية، بل عامل استقرار أساسي للمخيّمات الفلسطينية والمجتمع اللبناني ككلّ. كما أنّ أي تخفيض إضافي أو تراجع في الخدمات، سيترك آثاراً بعيدة المدى على حياة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى اللبنانيين المضيفين أيضاً.