طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشكيل "الهيئة الدولية الانتقالية لقطاع غزة" (غيتا) بهدف إدارة غزة بعد الحرب، برئاسة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وجمع الرئيس الأميركي في مكان واحد، خليطاً من الشخصيات التي تدمج عالم الأعمال والاستثمارات بعالم السياسة والولاء لإسرائيل من باب السلام والتطبيع في الشرق الأوسط؛ الخلطة المفضلة للرئيس الأميركي. ووفق خطته هذه، فإن إدارة غزة بعد الحرب، ستكون من مهمة مجلس دولي، من دون تحديد جدول زمني لتسليم إدارة القطاع إلى سلطة فلسطينية مستقبلاً.
تسريبات حول شخصيات الهيئة
ونشرت صحيفتا "هآرتس" العبرية و"غارديان" البريطانية تسريبات حول وثيقة من 21 صفحة تتعلق بخطة بلير لإدارة القطاع في "اليوم التالي" لحرب الإبادة.
وقالت "هآرتس" إن خطة إدارة غزة التي طرحها بلير تتضمن هيكلاً هرمياً متعدد الطبقات، حيث يكون دبلوماسيون دوليون كبار ورجال أعمال في القمة، بينما يدير فلسطينيون الأمور على الأرض. وأوضحت أن الخطة تدرج مرشحين محتملين للمجلس الدولي من بينهم مارك روان، اليهودي الأميركي الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أبولو غلوبال مانجمنت الاستثمارية في الولايات المتحدة، ويعد أحد أبرز الأصوات الناقمة على جامعات النخبة الأميركية إبان حراك الجامعات دعماً لفلسطين. كما ترشح الخطة اسم أرييه لايتستون، رئيس معهد اتفاقيات أبراهام للسلام في واشنطن، والمستشار السابق للسفير الأميركي إلى إسرائيل في ولاية ترامب الأولى ديفيد فريدمان، الذي يعد حالياً أبرز مساعدي المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. كذلك يُطرح اسم الملياردير المصري نجيب ساويرس، المستثمر في الولايات المتحدة والمرتبط بمشاريع تشمل قواعد عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.
وذكرت الصحيفة أن الوثيقة، التي تحمل علامة سرية، حقيقية وجرى إعدادها في الأسبوعين الماضيين لم تذكر أي شخصيات فلسطينية بالاسم، لكنها تسرد العديد من الشخصيات الخارجية البارزة لأدوار محتملة.
توني بلير
يعود اسم بلير إلى الواجهة مجدداً، فيما يبدو أن ما أطلق عليه مراراً خلال العامين الماضيين بـ"اليوم التالي للحرب" سيكون من نصيب "معهد توني بلير للتغيير العالمي"، الذي أسسه بلير بعد استقالته من منصبه رئيساً للوزراء عام 2007. قاد بلير انضمام بريطانيا إلى الحرب الأميركية على أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وإدخال القوات البريطانية في غزو العراق عام 2003، تحت مسميات "نزع أسلحة الدمار الشامل" التي اتضح لاحقاً، بحسب تقارير أممية ولجان تحقيق بريطانية، أنها غير صحيحة، ما ألصق ببلير لقب "مجرم حرب" في شوارع لندن والمدن والبلدات البريطانية خلال التظاهرات المليونية التاريخية رفضاً لغزو العراق. شغل بلير بعد خروجه من رئاسة الوزراء، عام 2007 وحتى عام 2015، منصب المبعوث الخاص للجنة الرباعية حول الشرق الأوسط (تأسست عام 2002) وهي هيئة تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، بهدف السعي إلى الوساطة في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين.
وقد تعرض عمله، الذي لم يكن متفرغاً فيه، لانتقادات منتظمة بسبب غياب أي تقدم في عملية السلام، وانحيازه لإسرائيل. بل ووصفت بعض مقترحاته بأنها "تدعو إلى نهج شبيه بالفصل العنصري في التعامل مع الضفة الغربية المحتلة". واجه بلير اتهامات متكررة باستغلال منصبه الرسمي مبعوثاً للرباعية لفتح الأبواب أمام أعماله الاستشارية الخاصة والمربحة في الشرق الأوسط، فيما يرى منتقدوه أنه يكرر سياسات الماضي عبر تبني حلول أمنية واقتصادية على حساب معالجة جذور القضية الفلسطينية. أما "معهد توني بلير للتغيير العالمي" الذي يصف نفسه بأنه يعمل على قضايا الحوكمة والتنمية في عدد من الدول، ويُقدّم دوراً استشارياً لحكومات مختلفة، فبحسب عدة تقارير في وسائل إعلام عالمية نُشرت أخيراً، لعب دوراً استشارياً خلف الكواليس لدى الحكومة البريطانية وبعض الحلفاء الغربيين بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب، بما يشمل قضايا إعادة الإعمار والترتيبات الأمنية.
نجيب ساويرس
أما نجيب ساويرس، رجل الأعمال المصري، فالبعض لم ير في طرح اسمه غرابة، بالنظر إلى موقعه أغنى رجل في مصر وممثلاً بارزاً لمجتمع المال في المنطقة، وصاحب شبكة علاقات ممتدة مع دوائر اقتصادية وسياسية في الولايات المتحدة وأوروبا. ارتبطت شراكات ساويرس بعقود مباشرة مع الحكومة الأميركية والجيش الأميركي في مصر والعراق وأفغانستان. يعود تعاون شركات عائلة ساويرس الوثيق مع الجيش الأميركي بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
ويمكن -بحسب مراقبين- أن يكون ساويرس، الذي دخل عالم السياسة والإعلام داخل مصر أيضاً، حلقة وصل بين القاهرة، التي تمسك بمفتاح معابر مع القطاع، وبين المانحين الدوليين الباحثين عن شخصية مقبولة قادرة على إدارة أموال الإعمار.
مارك روان
المستثمر مارك روان، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "أبولو غلوبال مانجمنت"، مرشح أيضاً في مجلس إدارة غزة بعد الحرب. هذه الشركة هي واحدة من أكبر شركات الأسهم الخاصة في الولايات المتحدة بأصول تبلغ 785 مليار دولار، خلف عام 2021، ليون بلاك (شريكه إلى جانب جوشوا هاريس في تأسيس الشركة عام 1990)، وسط جدل كان دائراً حول علاقته الطويلة مع جيفري إبستين، رجل الأعمال الأميركي الذي مات في سجنه عام 2019 بعد اتهامه بالاتجار الجنسي بقصّر. يوصف روان في وسائل إعلام إسرائيلية باعتباره من المانحين والمتبرعين السخيين، الذي قاد حملة لحجب الأموال عن الجامعات التي فشلت في معالجة "معاداة السامية".
وفق "ذا تايمز أوف إسرائيل"، أصبح روان أحد أبرز الأصوات في "ثورة المانحين التي نشأت بسبب عدم الرضا عن كيفية استجابة جامعات النخبة لمعاداة السامية في الحرم الجامعي" في 2024. وكذلك كان مدرجاً في القائمة المختصرة لترامب في منصب وزير الخزانة، قبل تشكيل حكومته، "لنقل خبرته المالية وميوله المؤيدة لإسرائيل إلى أعلى المستويات الحكومية". واصل روان انتقاده الاحتجاجات ضد إسرائيل في حرم الجامعات قائلاً في تصريحات صحافية: "إنها ليست معاداة للسامية. إنها معاداة لأميركا". وفي انعكاس لدعمه ترامب، فقد تبرع بمليون دولار لحملته الرئاسية لعام 2020، وفقاً لمجلة فوربس.
أرييه لايتستون
بالوصول إلى ترشيح أرييه لايتستون، المجلس الدولي المعني بعملية إدارة غزة بعد الحرب، فهو مدير معهد اتفاقيات أبراهام للسلام، ومستشار سابق لسفير ترامب الأول في إسرائيل ديفيد فريدمان (2017 إلى عام 2021)، والذي تصفه وسائل إعلام إسرائيلية بأنه "الحاخام والمعلم"، وأبرز مساعدي ويتكوف الرئيسيين، فيقال إنه ساعد في إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تحولت إلى مصائد موت للفلسطينيين، بعدما أنشئت بذريعة استبدال آلية المساعدات الأممية.
عينت وزارة الخارجية الأميركية في 2020 لايتستون مبعوثاً أميركياً خاصاً لشؤون التطبيع الاقتصادي "يمثل المصالح الأميركية ضمن تطبيع العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان وكوسوفو والمغرب. وينعكس ولاء لايتستون لإسرائيل من خلال الاحتفاء به داخل دولة الاحتلال، إذ تذكر عدة مواقع أنه "صاحب مبادرة"، وترأس أدواراً عدة في المجال الديني والتربوي (الداعم لإسرائيل).