موضوع الجولة الجديدة من الحرب الإسرائيلية الإيرانية، لا يزال يحتل موقعاً بارزاً في الإعلام منذ وقف إطلاق النار في الجولة الأولى في حزيران/يونيو المنصرم. والجولة هذه قد انتهت "قبل أن تنتهي"، وبأمر من ترامب، وعادت الطائرات الإسرائيلية من سماء إيران من دون أن تفرغ حمولتها، على ما قيل حينها. وعلى الرغم من أن كل الأطراف قد أعلن نفسه منتصراً، إلا أنه كان من الواضح أن أياً منهم لم يحقق كل ما كان يبتغيه من هذه الحرب: لا إسرائيل أنهت البرنامج النووي الإيراني، ولا نظام الملالي استطاع حماية أجوائه وقياداته العسكرية ومواقع برنامجه النووي وصواريخه الباليستية.
ومنذ البداية، كان من الواضح أن وقف إطلاق النار لن يصمد طويلاً، وأن استئناف الحرب هي مسألة وقت ليس إلا. إسرائيل، وعلى ما يعلن عسكريوها وساستها، على أهبة الاستعداد لاستكمال ما بدأته، بل وتطمح للإجهاز على نظام الملالي. وإيران يعيش شعبها في خوف يومي دائم من تجدد الحرب التي يتوقعون تجددها في أي لحظة، وقيادتها مصابة بما يشبه الشلل وهي تنتظر القرار الإسرائيلي، على ما يقول الخبير الإيراني أراش عزيزي من جامعة Yale الأميركية. لكن الملالي، وللمفارقة، معنيون بمعنى ما بخوض الجولة الجديدة. وذلك لكي يثبتوا للإيرانيين أن نظامهم لا يزال فاعلاً وقادراً على الصمود، وباستطاعته مقاومة الاعتداء الخارجي. ويرد خامنئي على القائلين بسقوط نظامه مع نهاية مشروعه النووي في جولة الحرب الجديدة بالقول "استمروا بأحلامكم"، على ما ذكرت صحيفة الإزفستيا الروسية مطلع الشهر الجاري.
ومن نافل القول إن المنطقة أيضاً تعيش على وقع تطورات الصراع الإسرائيلي الإيراني والقرار الأميركي بشأنه. والذاكرة الحالية والبعيدة لشعوب الشرق الأوسط مترعة بارتكابات الطرفين الإسرائيلي والإيراني المتواصلة بحق هذه الشعوب. وفي انخراطها القسري بصراع الوحشين، ليس من المستغرب ألا تتمنى انتصار أحدهما على الآخر، بل تتلهف لرؤيتهما ينهشان بعضهما حتى الذيل.
ليس من الطبيعي المفاضلة بين وحشين، لكن من المنطقي التمييز بينهما. فالأميركي يمسك بتفلت الجموح الإسرائيلي في القتل والتدمير وقضم الأراضي والإطاحة بأمن الشعوب وقضاياها، ويخضعه لما تفرضه "عقلانية" رئيسه متقلب الأطوار والمزاج.
أما نظام الملالي، فلا تزال المنطقة تعاني من بقايا تفلت جموحه في تصدير ثقافة الموت والعداء لكل تجليات الحياة، ولكل ما يسعف في الحفاظ عليها. وفي أي زمن؟ في الزمن الذي بلغت فيه جهود البشرية للحفاظ على الحياة وخدمة إستمرارها قمماً عالية من التقدم والتطور.
منذ نهاية الجولة الأولى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية، كان توقع موعد الجولة الثانية يرافق الحديث عن معظم التطورات الكثيرة التي جرت وتجري في المنطقة منذ ذلك الحين. فهذا التوقع دائم الحضور في الحديث عن السلاح الذي عهدت به إيران لحزب الله في لبنان وللفصائل الشيعية الأخرى في العراق. والحال عينها في الحديث عن المخاض الذي تمر به السلطة السورية الجديدة وقصورها عن فرض سيطرتها على كامل التراب السوري، واستغلال فصائل إيران لهذا القصور، واستباحة البادية الشرقية السورية لتهريب السلاح والمال لحزب الله في لبنان ولبقايا عصابات الأسد التي تتربص باستقرار سلطة دمشق الجديدة.
إسرائيل المتحفزة لاستئناف الحرب على إيران، والتي تتحين أي ذريعة، خصوصاً تلك التي يتبرع بتقديمها نظام الملالي السخي مع أذرعه بمثل هذه التبرعات، تتمسك منذ قرابة الشهر بذريعة المناورات الإيرانية بالصواريخ الباليستية، وتفتعل حول "خطرها" هيستريا لتصل إلى مسامع ترامب قبل زيارة نتنياهو. ولا أحد من الخبراء، غير الروس، يناقش فرضية أن تبادر إيران إلى استخدام هذه الصواريخ في شن هجوم مباغت على إسرائيل.
في سياق حديث الإعلام الروسي الموالي للكرملين عن الهيستريا الإسرائيلية حول مناورات إيران الصاروخية، نشرت صحيفة الأعمال الروسية الكبرى vedomosti في 20 الجاري نصاً، عنونته بالقول "إسرائيل تُهيئ ترامب لمناقشة ضربات جديدة على برنامج الصواريخ الإيراني".
استهلت الصحيفة نصها الإخباري القصير بالنقل عن مصادر شبكة NBC الأميركية إشارتها إلى أن السلطات الإسرائيلية تشعر بالقلق إزاء استئناف إيران السريع لإنتاج الصواريخ الباليستية وتوسيعه، في أعقاب حرب الإثني عشر يوماً. ونتيجة لذلك، تستعد تل أبيب لعرض خيارات على الرئيس ترامب بشأن إمكانية اتخاذ إجراء عسكري جديد ضد إيران، وذلك خلال زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة.
وتشير مصادر الشبكة الأميركية إلى أن إسرائيل تعتبر أن برنامج إيران الصاروخي يشكلتهديداً أكثر إلحاحاً من محاولات استعادة بنيتها التحتية النووية، لأنه يشكل خطراً ليس فقط على إسرائيل، ولكن على المنطقة بأكملها، بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة.
كما تشير هذه المصادر إلى أن نتنياهو قد يعرض على واشنطن عدة سيناريوهات، تتراوح بين دعم محدود لإسرائيل وعملية عسكرية مشتركة. وتخشى إسرائيل من أنه في حال عدم ردع إيران، قد تزيد إنتاجها من الصواريخ الباليستية إلى عدة آلاف شهرياً، مما يعقد أي ضربات مستقبلية محتملة على منشآتها النووية.
ونقل الموقع عن مصادر إقليمية قولها لصحيفة النيويورك تايمز في 11 الشهر المنصرم، إن الصراع العسكري الجديد بين إيران وإسرائيل، هو "حتمي عملياً".
الإعلام الإسرائيلي لا يتحدث بالطبع عن هيستيريا إسرائيلية بشأن مناورات الصواريخ الباليستية الإيرانية والتوسع في إنتاجها، بل يتحدث عنها في سياق الكلام عن موعد الجولة الجديدة من الحرب ضد إيران. فقد تساءل في 24 الجاري موقع وكالة الأنباء الإسرائيلية الناطقة بالروسية أيضاً cursor عن "مدى ارتفاع خطر نشوب حرب مع إيران الآن".
وكرر التساؤل عينه أيضاً، وفي اليوم ذاته، موقع detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية الذي وضع لنصه عنواناً شبه حرفي عن عنوان الموقع السابق "التصعيد عن طريق الخطأ". إذ قال "ما هو خطر اندلاع حرب جديدة مع إيران اليوم؟".
استهل الموقع نصه بالإشارة إلى التفاوت في عدد مناورات الصواريخ الباليستية الإيرانية بين ما نشرته وكالة "تسنيم" الإيرانية وما يسميه الإعلام الرسمي الإيراني. ونقل عن مصادر إسرائيلية وأميركية إبلاغها موقع Axios الأميركي بأن إسرائيل قامت في الأسبوع الماضي بتحذير الإدارة الأميركية من أن مناورات الصواريخ التي يجريها الآن الحرس الثوري، قد تكون تغطية لإعداد ضربة لإسرائيل.
كما نقل الموقع عن مصادر الموقع الأميركي إشارتها إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، قد اتصل شخصياً في 20 الجاري بقائد القيادة الوسطى الأميركية، وأبلغه أن إسرائيل يساورها القلق بشأن المناورات الصاروخية التي بدأ يجريها الحرس الثوري منذ عدة أسابيع.
ووفقاً لمصدر إسرائيلي، أشار الموقع إلى أن إحتمال قيام إيران بهجوم على إسرائيل، هو أدنى من 50%. ومع ذلك، يقول المصدر الإسرائيلي أن لا أحد مستعد لتجاهل الأمر، والقول إنها مجرد تمارين عادية. وينقل الموقع عن "عدد من الخبراء" إعتقادهم بأن إيران اقتنعت خلال حرب الإثني عشر يوماً بأن صواريخها الباليستية تشكل أكبر تهديد لإسرائيل.
يقول الموقع بأن غالبية الخبراء تنفي احتمال أن تشن إيران هجوماً على إسرائيل الآن. وينقل عن الباحث في الشؤون الإيرانية آراش عزيزي المذكور أعلاه قوله في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية بوجود خطر هجوم إيراني على إسرائيل في المديين القريب والمتوسط. لكن على قوله، فإن السيناريو الوحيد المحتمل، "هو أن تشن إسرائيل هجوماً على إيران".