إسرائيل تروّج لحرب على لبنان أواخر العام...وتبررها بـ3 دوافع

ليسَ صُدفةً أن يتزامن حديث الإعلام العبري عن توقعاته بعقد جولة ثانية للمحادثات بين إسرائيل ولبنان خلال الأيام المقبلة، مع رفع ماكينة تل أبيب الدعائية وتيرة التهديدات مجددًا، بشأن هجوم واسع على حزب الله قريبًا؛ بدعوى انتهاء المهلة المحددة للحكومة اللبنانية أواخر الشهر الحالي، بلا "تقدم ملموس" في نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني وشماله.

وبرزت التهديدات المستجدّة عبر نشر قناة "كان" العبرية مؤخراً عن خطة عسكرية إسرائيلية "جاهزة"، لشن هجوم واسع على حزب الله، في حال "فشل" جهود الحكومة اللبنانية في تفكيك ترسانة الحزب، كما تجلت التهديدات برسائل تحذير إسرائيلية وصلت إلى بيروت عبر دول عربية وغربية، وقد أكدها وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، بقوله إن الحكومة اللبنانية تلقت تحذيرات عبر جهات إقليمية ودولية، وأن هناك اتصالات دبلوماسية لمنع التصعيد.

ثلاثة دوافع رئيسية

وبتفكيك سياق التهديدات الإسرائيلية، فإن لها ثلاثة دوافع رئيسية، أولًا ارتباطها بآلية المفاوضات الجديدة بين بيروت وتل أبيب، والتي يُتوقع أن نشهد جولة ثانية بموجبها خلال أيام، إذْ تريد تل أبيب القول من خلال لغة التهديد، إن المسار العسكري مُلازم للمفاوضات، وإنها مُصرّة على "حسم" أمر حزب الله بكل الوسائل. 

وأما الدافع الثاني، فهو أن تصعيد التهديدات الإسرائيلية جاء في ظل أنباء عن نية الحكومة اللبنانية إبلاغ إسرائيل والجهات الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، بأنها نزعت 80 في المئة من سلاح حزب الله جنوب الليطاني، وأن الجيش الإسرائيلي مُطالب بالانسحاب من التلال الخمس.. وكأن الدولة العبرية أرادت بتصعيد تهديداتها أن تستبق مطالبة لبنانية من هذا القبيل، وأن تجعل الكرة في ملعب لبنان، عبر "تكذيب" بيروت والتقليل من شأن التزاماتها؛ خصوصًا أن تل أبيب لا توجد نية لديها للانسحاب من الأراضي اللبنانية التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة، وفق ما تؤكده مواقع أمنية إسرائيلية.

وأما الدافع الثالث للتهديدات الإسرائيلية المستجدة، فهو جعل الجدل لبنانيًا داخليًا تحت عنوان "منع تدمير لبنان جراء عدوان واسع"، أي ليس مع إسرائيل، ولعلّ هذا ما يُمكن استنتاجه من استعراض النشرة المسائية للتلفزيون العبري الرسمي "مكان"، لما وصفته "الجدل المتصاعد" بين الحكومة اللبنانية وحزب الله في الساعات الماضية.

لبناني في التلفزيون الإسرائيلي

والحال أن الدوافع الثلاثة سابقة الذكر، لا تعني بالضرورة تسخيف النوايا الإسرائيلية بشأن شن هجوم واسع على لبنان، فالاحتلال الإسرائيلي إلى جانب غاياته من التهديد المستمر، يتجهز أيضًا لسيناريو تنفيذ عدوان أكبر على لبنان، ضمن استراتيجية أمنية جديدة بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، عنوانها "التحول من سياسة احتواء التصعيد.. إلى الضربة الاستباقية"، كما عرّفها مقال نشره موقع "علما" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرًا.

وبتقريب المجهر من مضامين الإعلام العبري عن لبنان بالساعات والأيام الماضية، فإن التلفزيون العبري استعان بـ"الخبير" بالشؤون اللبنانية بيير دياب، وهو من أصول لبنانية، ليروج لـ"جدية" التهديدات الإسرائيلية، ولتغذية ما وصفه بـ"جدل متصاعد" بين الدولة اللبنانية وحزب الله، وصل إلى حد رد الرئيس جوزاف عون على تصريح منسوب لقيادي بالحزب، بشأن "وثيقة تتعهد فيه الدولة اللبنانية باحتفاظ حزب الله بسلاحه"، حيث قال عون "فلتخرجوا الوثيقة التي تتحدثون عنها"، في إشارة إلى نفيه "التساهل" مع سلاح الحزب. كما زعم دياب في حديث لتلفزيون "مكان" العبري، أن الجدل الحاد تصاعد أيضًا بين لبنان وإيران، وأن رئيس البرلمان نبيه بري لديه موقف أيضًا بنأي إيران عن لبنان.

هجوم على "منشآت" بالضاحية؟

بدوره، قال محرر الشؤون السياسية للتلفزيون الإسرائيلي الرسمي، شمعون آران، إن إسرائيل لديها نية لشن هجوم واسع على منشآت لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأن الولايات المتحدة تكبح ذلك حتة الآن، لكنه أشار إلى أن لبنان سيكون ضمن المواضيع الأهم على جدول اللقاء الذي سيجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية الشهر الحالي. وأضاف آران أن ثمة نقاطا خلافية بين بيروت وتل أبيب، وأن واشنطن تحاول تذليلها في الجولة الثانية للمفاوضات.

التهديدات.. ببُعدين

بيدَ أنّ المحلل العسكري لصحيفة "معاريف"، آفي أشكنازي، اعتبر أن السؤال الأهم ليس "هل سيحدث تصعيد؟.. وإنما متى؟"، مشيرًا إلى بُعدين للتحذير الإسرائيلي للبنان، ويرتبطان بمسألة الوقت، وهما "تصريحي.. وتكتيكي"، فالتصريحي يعني إبلاغ بيروت أن نفاد الموعد النهائي لاتخاذ إجراء ملموس لـ"نزع سلاح حزب الله"، قد اقترب مع العد التنازلي لنهاية الشهر. وأما البُعد التكتيكي للتحذير، فيرتبط بإدراك الجيش الإسرائيلي أنه قريبًا ستكون الأحوال الجوية مختلفة مع تقدّم فصل الشتاء، وهنا يؤكد أشكنازي أن الجيش الإسرائيلي عندما يريد الدخول في جولات استنزاف ضد حزب الله، فإنه يحتاج أيضًا إلى "ظروفا جوية جيدة"، على حد قوله.

"قناة التفاوض.. كفرصة استراتيجية"!

مع ذلك، لا تتعامل عقلية إسرائيل مع مساري التفاوض والنشاط العسكري، بمنطق "التجزئة"، بل بـ"الجُملة"، إذ رأت الدوائر البحثية الأمنية الإسرائيلية أن قناة التفاوض المباشر بين لبنان وإسرائيل، بمثابة "فرصة استراتيجية"، رغم إقرارها أن فتح هذه القناة "خطوة رمزية"، وأن فرص التوصل إلى اتفاق تطبيع بينهما "تكاد تكون معدومة طالما بقي حزب الله"، كما أن إمكانية التوصل إلى اتفاق أمني مقبول لدى الطرفين "ضئيلة جدًا".

لكن الباحثة الإسرائيلية في قضايا الأمن زوي ليفورنيك ترى أن هناك "مزايا للدبلوماسية"، داعية لانتهاج سياسة إضعاف استراتيجي ضد حزب الله لفترة غير محددة، مع جولات تصعيد إضافية متفاوتة الشدة. وفي الوقت نفسه، رأت ليفورنيك أنه يمكن للدبلوماسية أن تدفع بمجموعة من الخطوات ضد حزب الله على الساحتين الإقليمية والدولية.

وتخلص ليفورنيك إلى القول إنه لا يمكن لإسرائيل أن تتخلى عن نشاطها العسكري في لبنان، لكنها أوصت بموازاة ذلك، أن تدفع تل أبيب نحو سياسة تستند إلى "تفكير استراتيجي طويل الأمد ومنظور إقليمي"، على حد تعبيرها.


 

  • A-
  • A+

© Lebanese Citizens News. All rights reserved.