مع دخول الحرب الإسرائيلية على إيران يومها التاسع، يتصاعد الجدل والتنبؤ بشأن حجم الخسائر الحقيقية التي تلقتها إسرائيل جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية، وسط تساؤلات بشأن الخسائر المخفية وتلك المكشوفة.
إصابة محققة لمواقع استراتيجية؟
ويقول صحافي فلسطيني من داخل الخط الأخضر، لـ"المدن"، إن لديه معطيات مؤكدة تفيد بنجاح صواريخ إيرانية في إصابة مواقع عسكرية واستراتيجية إسرائيلية منذ بدء الحرب، سواء بشكل مباشر أو التسبب بأضرار فيها نتيجة وقوعها بالقرب منها، لكنه نوّه لصعوبة كبيرة في تحديد تفاصيل إضافية حول طبيعة تلك المواقع "المهمة" وحجم الخسائر التي لحقت بها، لأن تل أبيب لا تفصح عن الأمر وتفرض رقابتها العسكرية تعتيماً على المعلومات بخصوصه، لدوافع أمنية ومعنوية خلال الحرب.
ووفق الصحافي المقيم في أراضي الـ48، فإن الحرس الثوري الإيراني يتبع تكتيكاً بإطلاق صاروخين دقيقين أو ثلاثة صواريخ دقيقة من بين كل رشقة مكونة من صواريخ أخرى أقل دقة، وذلك لتمكين الصاروخ الدقيق من تمويه المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، والوصول إلى هدفه المقصود.
في حين، قال المراسل العسكري للتلفزيون العبري الرسمي، إن الإيرانيين يضللون المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، عبر إطلاق عشرات المسيّرات ثم إطلاق صواريخ باليستية مباشرة، ما دفع الرادارات الخاصة بالمنظومة الدفاعية الإسرائيلية إلى التعامل مع الصاروخ المحلّق في الفضاء "كمسيّرة"، وبالتالي نجاحه في إصابة هدفه.
معايير الإفصاح.. والإخفاء!
وأجمعت مصادر "المدن" داخل الخط الأخضر، على أن إسرائيل اعترفت فعلياً بحجم الخسائر البشرية جراء الصواريخ والمسيّرات الهجومية الإيرانية، وكذلك الحال بالنسبة للدمار الهائل في المباني والبنية التحتية المدنية، لأنها لا تستطيع إخفاءها، وأيضاً باعتبارها معطيات وصور توظفها لخلق سردية "المظلومية" الهادفة إلى تبرير عدوانها على طهران ومواصلته. بينما تخفي في المقابل الخسائر الاستراتيجية والتكتيكية في هذه المرحلة على الأقل.
ولم تكشف إسرائيل إذا كانت شخصيات استخباراتية أو عسكرية قد قتلت جراء الصواريخ الإيرانية، حيث تكتفي بإعلان القتلى على أساس أنهم "مدنيون"، ما يثير ضبابية حيال وقوع قتلى وجرحى في صفوف الاستخبارات والجيش نتيجة استهداف مقار إسرائيلية "حساسة"، وربما تكون الأخيرة أُخليت قبل الحرب، لإدراك تل أبيب أن الإيرانيين قادرون على ضربها.
لكن ما علمته "المدن" من مصادر متطابقة، هو أن إسرائيل غيّرت أماكن معدات استراتيجية ومواد مهمة قبل بدء هجومها على إيران، واستخدمت شاحنات كثيرة لهذه الغاية، عدا عن إعادة نشر الجيش الإسرائيلي لآلياته العسكرية في مناطق بالضفة الغربية، ونقل بعضها مؤخراً إلى بلدات فلسطينية تحت غطاء "تنفيذ" عمليات عسكرية فيها.
إصابة هدفين استراتيجيين بحيفا.. زلة لسان؟!
ورغم صعوبة تقدير الخسائر العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية نتيجة الاستهدافات الإيرانية، إلا أن ما قاله رئيس بلدية حيفا حول إصابة صواريخ إيرانية لهدفين استراتيجيين في المدينة، عصر أول من أمس الجمعة، شكّل تأكيداً آخر على دقة الصواريخ الإيرانية وإصابتها مواقع "حساسة"، وكذلك الحال بالنسبة لما أوردته إذاعة "كان" العبرية حول استهداف صاروخ خلال تلك الرشقة لموقع استراتيجي حاولت إيران قصفه سابقاً، مؤكدة صعوبة الكشف عن طبيعة الهدف الآن.
والحال أن ما ذكره رئيس بلدية حيفا، بدا وكأنه "زلة لسان" خارج إرادة الرقابة العسكرية، بمنظور الباحث بالشؤون الإسرائيلية أنطون شلحت، خصوصاً أن إسرائيل تخفي الأهداف العسكرية والأمنية في زمن الحرب، لسببين: أولاً، التذرع الأمني بأن أي تصريح حول الأهداف الهامة للصواريخ الإيرانية، يقدم "خدمة للعدو لتصحيح وجهة الطلقة الصاروخية التالية". ويكمن السبب الثاني في أن كشف الأهداف الإسرائيلية "المهمة"، يقلّل من قيمة سردية "المظلومية". عدا ع أن تل أبيب لا تريد بذلك أن تؤكد وجود مواقعها الأمنية والاستراتيجية في مناطق سكنية.
وكان الصحافي إيهود يعاري قال سابقا للقناة (12) العبرية، إن الإيرانيين لا يطلقون الصواريخ عبثاً، وإنما وفق معلومات استخباراتية وبشكل مُوجّه.
وما يُمكن استنتاجه من محللين عسكريين إسرائيليين، هو أن الحرب الحالية مع إيران "غير مسبوقة"، إذ تتعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لأول مرة لهجمة صاروخية بهذا الحجم وبدقة كبيرة، وإن تعرضت لصواريخ عراقية زمن الرئيس الأسبق صدام حسين عام 1991، ومن حزب الله خلال حرب تموز 2006، لكن الأمر مع إيران مُغاير تماماً، فهي تمتلك ترسانة صواريخ كبيرة وعالية الدقة وتُحدث دماراً هائلاً.
سيناريو "يوم القيامة"!
وبينما قدرت تقارير أميركية خسائر إسرائيل الأولية جراء الهجمات الإيرانية، بمئات الملايين من الدولارات يومياً، إلا أن شلحت يوضح لـ"المدن"، أن قيمة الكلفة الاقتصادية الإسرائيلية للحرب مع إيران، هي "ضخمة" ويصعب استشرافها برقم دقيق الآن.
ولم يستبعد شلحت أن تحاول إسرائيل استخدام سلاح ردعي معين، لمحاولة حسم الحرب سريعاً، ومنع تحولها إلى استنزاف من شأنه أن يشكل خطراً وجودياً لها. وهنا، ينوه إلى تلمحيات بعض الإسرائيليين لسلاح يُدعى "يوم القيامة"، وهو سلاح نووي ردعي جلبته إسرائيل وفكرت باستخدامه في حرب أكتوبر عام 1973 ضد الجيش المصري، وفق ما كشفته الوثائق الإسرائيلية لاحقاً.
وأمام خسارات إسرائيل غير المسبوقة منذ نشوئها في مقابل قصفها لإيران، يبدو أن الحرب مفتوحة على كل السيناريوهات كلما طالت أكثر، خصوصاً أن تل أبيب لديها خطة لشن الحرب التي أعدت لها منذ سنوات، لكنها لا تملك خطة للخروج السياسي.