عن "نيويورك تايمز"
بعيدًا عن أي تدخل أميركي محتمل قد يغير قواعد اللعبة ويحدد مصير البرنامج النووي الإيراني، فإن عاملين رئيسيين سيساهمان في تحديد مدة الحرب بين إسرائيل وإيران: مخزون إسرائيل من صواريخ الاعتراض، ومخزون إيران من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.
منذ أن بدأت إيران بالرد على نيران إسرائيل الأسبوع الماضي، اعترض نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، الذي يُعدّ من الأفضل في العالم، معظم الصواريخ الباليستية الإيرانية، ما أتاح لسلاح الجو الإسرائيلي وقتًا أطول لتنفيذ ضربات ضد إيران من دون تكبد خسائر كبيرة في الداخل.
لكن ومع استمرار الحرب، بدأت إسرائيل تطلق صواريخ الاعتراض بسرعة تفوق قدرتها على إنتاجها، وهو ما أثار تساؤلات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول ما إذا كانت البلاد ستستنفد مخزونها من صواريخ الدفاع الجوي قبل أن تنفد ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية، وفقًا لما أكده ثمانية مسؤولين حاليين وسابقين.
وأفاد هؤلاء المسؤولون أن الجيش الإسرائيلي اضطر بالفعل إلى الترشيد في استخدام صواريخ الاعتراض، مع إعطاء أولوية قصوى لحماية المناطق المأهولة والبنية التحتية الاستراتيجية. معظم هؤلاء تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم للحديث بحرية أكبر.
قال العميد المتقاعد ران كوحاف، الذي كان قائدًا لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية حتى عام 2021 وما زال في الاحتياط: “الصواريخ الاعتراضية ليست حبّات أرز. العدد محدود”.
وأضاف: “إذا كان صاروخ متجّهًا إلى مصافي التكرير في حيفا، فمن الواضح أن اعتراضه أهم بكثير من صاروخ آخر سيسقط في صحراء النقب”. وتابع قائلاً: “ترشيد استخدام صواريخ الاعتراض يمثل تحديًا. يمكننا النجاح، لكن الأمر ليس سهلًا”.
في بداية الحرب، قدّر بعض المسؤولين الإسرائيليين أن إيران تمتلك نحو 2000 صاروخ باليستي، ويقولون إن ما بين الثلث والنصف من هذه الكمية قد تم استخدامه إما بسبب إطلاقها على إسرائيل، أو نتيجة ضربات إسرائيلية استهدفت مستودعات التخزين. كما بدأت إيران بإطلاق عدد أقل من الصواريخ في كل وابل، ربما لأنها باتت تدرك أنها قد تستنزف مخزونها.
وفي الوقت نفسه، فإن إسرائيل تستنزف صواريخها الاعتراضية بوتيرة متسارعة. فبحلول صباح الأربعاء، أطلقت إيران قرابة 400 صاروخ، منها نحو 40 صاروخًا تمكنت من اختراق الدفاعات الإسرائيلية وأصابت أحياء إسرائيلية، وفقًا للجيش الإسرائيلي. أما الـ360 صاروخًا المتبقية، فقد تم اعتراضها أو تعقّبها حتى سقطت في مناطق خالية أو في البحر. ويُحتمل أن بعض الصواريخ الإيرانية أُصيبت بأكثر من صاروخ اعتراض، لذا فإن العدد الدقيق للاعتراضات غير واضح.
ولم يكشف أي مسؤول إسرائيلي عن عدد الصواريخ الاعتراضية المتبقية، لأن هذه المعلومة تُعدّ سرًا عسكريًا قد يمنح إيران أفضلية على الأرض.
هذه المسألة ستؤثر على قدرة إسرائيل على خوض حرب استنزاف طويلة. فطبيعة هذه الحرب ستتأثر جزئيًا بقرار الرئيس دونالد ترامب فيما إذا كان سينضم إلى إسرائيل في ضرب المنشأة النووية الإيرانية في “فوردو” شمال إيران، أو إذا كانت إيران ستقرر وقف تخصيبها النووي لتفادي مثل هذا الهجوم.
لكن النهاية الحقيقية للحرب ستتوقف أيضًا على مدى قدرة الطرفين على تحمل الأضرار الاقتصادية والمعنوية، خصوصاً في ظل تزايد عدد القتلى المدنيين.
تعتمد إسرائيل على سبعة أنواع على الأقل من أنظمة الدفاع الجوي. معظمها يستخدم أنظمة آلية لرصد الصواريخ بواسطة الرادار، وتقديم توصيات للضباط بشأن طريقة الاعتراض. أمام المسؤولين ثوانٍ لاتخاذ قرارات بشأن نيران قصيرة المدى، ودقائق فقط للتعامل مع الهجمات البعيدة. وفي بعض الأحيان، لا تقدم الأنظمة الآلية توصيات، ما يجبر الضباط على اتخاذ القرار بأنفسهم، وفق الجنرال كوحاف.
يعمل نظام “آرو” لاعتراض الصواريخ بعيدة المدى على ارتفاعات عالية، في حين يتولى “مقلاع داوود” اعتراضها على ارتفاعات أدنى، أما “القبة الحديدية” فتستهدف الصواريخ قصيرة المدى، غالبًا القادمة من غزة، أو شظايا الصواريخ التي تم اعتراضها بالفعل.
وقد زوّدت الولايات المتحدة إسرائيل بأنظمة دفاع إضافية، بعضها يُطلق من سفن في البحر المتوسط، كما تختبر إسرائيل حاليًا نظام ليزر جديد لم يُثبت فعاليته بعد. وتقوم الطائرات الحربية بإسقاط الطائرات المسيّرة البطيئة الحركة.
يرى بعض الإسرائيليين أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب قبل أن تتعرض دفاعاتهم لاختبار أكبر. فقد قُتل حتى الآن 24 مدنيًا وأُصيب أكثر من 800. وتعرضت منشآت حيوية مثل مصافي النفط شمال البلاد ومنازل مدنية لأضرار، كما أُصيب مستشفى في الجنوب صباح الخميس.
ورغم أن عدد القتلى يُعتبر مرتفعًا مقارنة بالمعايير الإسرائيلية، فإنه قد يرتفع بشكل حاد إذا اضطُرت إسرائيل إلى تقنين استخدام الصواريخ الاعتراضية لحماية مواقع استراتيجية مثل مفاعل ديمونا النووي في الجنوب، أو مقر قيادة الجيش في تل أبيب.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه دمّر أكثر من ثلث منصات الإطلاق. ويعتقد مسؤولون وخبراء أن هذا ما أدى إلى تقليل عدد الصواريخ التي تستطيع إيران إطلاقها في كل هجوم. كما قال مسؤولون أميركيون إن الضربات الإسرائيلية دمّرت قدرات إيران على الإطلاق، وأضعفت قدرتها على تنفيذ وابل من الضربات.
وقال آصاف كوهين، القائد السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والمسؤول عن الملف الإيراني: “المشكلة الحقيقية هي عدد منصات الإطلاق، أكثر من عدد الصواريخ”.
وأضاف: “كلما دمرنا عددًا أكبر منها، زادت صعوبة شنهم لهجمات متكررة. وإذا أدركوا أنهم يواجهون مشكلة في الإطلاق، فسيلجأون إلى استراتيجية الإزعاج: صاروخ أو اثنان كل فترة، موجهَان إلى منطقتين مختلفتين في الوقت نفسه”.