-->

مصير سلاح المخيمات “على النار”

جاء في “الراي الكويتية”:

وُضِعت قضيةُ سَحْبِ السلاح الفلسطيني من مخيمات لبنان على نارٍ حامية، بعدما حدّد رئيسُ الجمهورية العماد جوزاف عون منتصف يونيو المقبل موعداً لبدء التنفيذ، ولكن على مراحل، على أن تبدأ من ثلاثة مخيمات في العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها، هي صبرا وشاتيلا، برج البراجنة، ومار إلياس، على أن تتبعها مراحل لاحقة تشمل المخيمات الأخرى.

ويُوجَد في لبنان 12 مخيماً هي، إضافة إلى الثلاثة، مخيم ضبية شرق بيروت ونهر البارد في الشمال (وكلاهما تحت سلطة الدولة اللبنانية)، البداوي قرب طرابلس، ويفل في البقاع، عين الحلوة والمية مية في صيدا، البص والرشيدية والبرج الشمالي في منطقة صور والثلاثة ضمن منطقة جنوب نهر الليطاني.

وجاء إعلانُ الرئيس عون ترجمةً للاتفاق اللبناني – الفلسطيني على سحْبِ سلاح المخيمات وعلى بدء تنفيذ الخطة ابتداءً من منتصف يونيو المقبل، وهو الاتفاق الذي تم خلال زيارة الثلاثة أيام التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبيروت بين الأربعاء والجمعة الماضييْن وكُشف عنه في البيان المشترك الذي أَعقب القمة الثنائية في القصر الجمهوري.

وأكد عون وعباس في البيان، أن «زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى»، مع التزامِ الجانب الفلسطيني بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنصّة لأي عملياتٍ عسكرية، بينما تُرجم الاتفاقُ على نحو فوري عبر تشكيل لجنة لبنانية – فلسطينية مشترَكة عقدت أولى اجتماعاتها في السرايا الحكومية برئاسة رئيس الحكومة نواف سلام من دون أن يكون أي مسؤول فلسطيني في لبنان ممثَّلاً في اللجنة واجتماعاتها.

وأكدت مصادر فلسطينية مسؤولة لـ «الراي» أن «الرئيس عون يُبْدي حرصاً على معالجة قضية سلاح المخيمات بهدوء ومسؤولية، رغم كل الضجيج الإعلامي، تماماً كما يقارب ملف سلاح حزب الله في لبنان، أي بالحوار والتفاهم ومن دون الجنوح إلى نزْعه بالقوة، وذلك في محاولةٍ لإنجاح الاتفاق دون أي عراقيل أو توتير أمني يعوق مسيرة العهد الجديد في لبنان».

وأوضحت المصادر أن «الرئيس عون، ومعه المسؤولون اللبنانيون، يتوقّعون وصول القضية إلى خواتيم سعيدة، ذلك أن العقَبة الكأداء التي كانت تَعترض طرْح مسألة السلاح تمثّلتْ في وجود قواعد عسكرية فلسطينية على الحدود اللبنانية – السورية، وفي قلْب الناعمة على تخوم بيروت تتبع لمنظمة الجبهة الشعبية – القيادة العامة وفتْح الانتفاضة المواليتين لسوريا، ولكن بعد سقوط نظام بشار الأسد أُزيلت هذه العقبة، وتَسَلَّمَ الجيش اللبناني تلك القواعد ليُعلَن نهائياً قَفْلُ ملف السلاح خارج المخيمات».


«ضبابية» داخل المخيمات

وفي داخل المخيمات، مازالت مسألةُ سَحْبِ السلاح يلفّها الكثير من الغموض والضبابية والتساؤلات، ومنها: لماذا لم تَضمّ اللجانُ التي شُكّلت بين لبنان والسلطة الفلسطينية أيَّ مسؤولٍ فلسطيني في لبنان؟ وهل يعني ذلك أن الحوارَ سيكون بين الحكومة اللبنانية والسلطة التي تقوم بالحوار مع القوى الفلسطينية الأخرى في المخيمات، بما فيها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، أم سيكون الحوار اللبناني في الأصل مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضمّ كل القوى الفلسطينية، وتُعتبر الإطارَ الجامع لمتابعة كل قضايا المخيمات، السياسية والأمنية والخدماتية والاجتماعية مع السلطات اللبنانية؟

وأشار مسؤول فلسطيني بارز لـ «الراي»، إلى «أن الضجةَ الإعلاميةَ الكبيرةَ تثير الكثيرَ من الغبار الذي يَطغى على الميدان، إذ لم تُطرح بعد آليةٌ واضحةٌ لتنفيذ تسليم السلاح من المخيمات، وهل سيتم سَحْبُ السلاح الثقيل والمتوسط فقط، أم الفردي أيضاً؟ وفي حال سُحِبَ السلاحُ الفردي، هل سيَدخل الجيش اللبناني المخيمات أم يَجْري التنسيق مع قوة فلسطينية مشترَكة لحفظ الأمن والاستقرار؟ وتالياً، هل تكون هذه القوة من الأمن الوطني التابعة للسلطة الفلسطينية، أم قوة أمنية مشترَكة تتمثل فيها القوى الفلسطينية المختلفة، بما فيها حماس والجهاد”؟


عين الحلوة واقْع مُرّ

واعتبر المسؤولُ نفسه أن التعاطي مع مسألة سحْب السلاح في المخيمات يَختلف بين مخيّم وآخر، وتحديداً في مخيم عين الحلوة الذي يعاني إشكاليةً كبرى لجهة تَداخُلِ القوى السياسية والعسكرية ووجود قوى إسلامية منضوية في الأُطُر المشترَكة مثل عصبة الأنصار الإسلامية والحركة الإسلامية المجاهدة، وأخرى متشدّدة مثل تجمّع الشباب المُسْلِم سابقاً والمسميات الأخرى، وسط أسئلة إضافية حول ما مصير المطلوبين في هذا المخيم؟ هل سيتم إلقاء القبض عليهم، أم ترْكهم وشأنهم، أم إصدار عفو خاص عنهم، وما إلى ذلك؟ وفي أي إطار ستُعالَج الملفات الجنائية؟ والثابت أن كل هذه الأسئلة تحتاج إلى أجوبة، وربما تصبح أكثر وضوحاً في المراحل التي ستعقب تطبيق الاتفاق في مخيمات بيروت.

وتتوزّع القوى الفلسطينية في لبنان على أربعة أُطُر: فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، تَحالُف القوى الفلسطينية، القوى الإسلامية، وأنصار الله. وتُعتبَر منظمةُ التحرير الفلسطينية الممثّلَ الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. وهي تُجْمِعُ على جملةٍ من المسلَّمات والثوابت، منها: تعزيزُ أواصر التعاون والتنسيق بين الشعبين الفلسطيني واللبناني على مختلف المستويات ولا سيما ما يتّصل بتحسين الظروف المعيشية للاجئين الفلسطينيين، والتأكيد على احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين وتوفير الظروف التي تَضمن الحياة الكريمة للاجئين دون المساس بحقّهم في العودة أو التأثير على هويّتهم الوطنية، وأنّ الفلسطينيين في لبنان هم ضيوف ملتزمون بالقانون وتحت سقفه ولن يكونوا إلّا عاملَ استقرارٍ ومسانَدا للدولة اللبنانية بعيداً عن أيّ تدخّل في الشؤون الداخلية ودون أي أهداف سياسية أو أمنية داخل لبنان ومع التمسّك بحقّهم في العودة إلى وطنهم فلسطين.

وفي قراءةٍ لموقف الأُطُرِ الفلسطينية المختلفة، فإن فصائل منظمة التحرير بما فيها حركة «فتح»، تتماهى مع موقف السلطة الفلسطينية في تسليم سلاح المخيمات، في إطارِ حق الدولة اللبنانية في فرض سلطتها على كل أراضيها، بما فيها المخيمات، وحصرية السلاح بيدها.

وفي حين يرى تحالف «الممانعة»، وتحديداً «حماس» و«الجهاد»، أنه يجب مقاربة مسألة المخيمات على قاعدة طَرْحِ كل قضايا اللاجئين من الحقوق المدنية والاجتماعية وحق العمل والتملّك، وصولاً إلى السلاح، فإنّ القوى الإسلامية وأنصارالله تزيد على تلك المطالب الدعوة إلى إصدار عفو عن المطلوبين.

ويبلغ عدد اللاجئين المسجّلين لدى وكالة «الأونروا» في لبنان نحو 489 ألفاً، وفق إحصائها في آذار 2023، لكن في التحقّق الرقمي الأخير الذي أجرتْه في الـ 2025، تبيّن أن عدد المستفيدين من خدماتها بلغ نحو 222 ألفاً، يُضاف إليهم نحو 29 ألف لاجئ نزحوا من سورية.

ويعيش نحو 45 في المئة منهم في 12 مخيماً رسمياً، فضلاً عن تجمعات عشوائية غير رسمية يصل عددها إلى 156.

أحدث أقدم