تتزايد يوماً بعد يوم مخاوف اللبنانيين من دخولهم مجدداً لعبة الحرب التي خبروا سابقاً ويلاتها ومآسيها، وارتداداتها السلبية على مختلف مكوّنات البنية الوطنية والاقتصادية الهشّة أصلاً.
بيد أن ما يقضّ مضاجعهم حالياً، هو انقطاع الإنترنت عن البلاد، أو قطعه عمداً من الإسرائيليين، ما يجعل لبنان معزولاً عن العالم، ومنقطعاً عن جميع الخدمات الدولية، وفاقداً القدرة على التواصل مع الجانب الآخر من العالم.
تحاول “أوجيرو” بحكم دورها ووظيفتها وضع الخطط اللازمة لمواجهة أي محاولة لعزل لبنان عن العالم أو عن بعضه، بيد أن عوائق البيروقراطية الإدارية التي تتحكّم بمعظم أداء الوزارات والأجهزة الرقابية والمالية، تقف عائقاً “مملاً” بين مطالب أوجيرو، ورغبتها في إرساء شبكة أمان للمؤسسات الرسمية وأجهزة الإغاثة، والقوى الأمنية، وتعرقل تأمين التمويل المطلوب لصيانة وتجهيز المعدات اللازمة لاستدامة عمل الإنترنت.
فالخطر الأكبر على قطاع الاتصالات، هو من وجهة نظر المدير العام لـ”أوجيرو” عماد كريدية، موضوع البيروقراطية وتعدد المسؤوليات بين وزارتَي المال والاتصالات وديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام، وأخيراً مصرف لبنان وموقفه المتعلق بالأموال التي ستؤمن لـ”أوجيرو” هل هي “فريش” أم لا. وعلى الرغم من هذه العوائق، يؤكد كريدية لـ”النهار”، أن الأمور لن تصل إلى خطر قطع الاتصالات، علماً بأن الأموال مؤمَّنة بالحد الأدنى، وتالياً فإن الصيانة لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
هل يمكن الاعتماد على الأقمار الصناعية؟
امتاز اللبنانيون بـ”لعنة التأقلم” مع فقدان خدمات الدولة، وحققوا البدائل الذاتية التي أمّنت لهم ضرورات الحياة اليومية والاجتماعية، بيد أن لا بديل للإنترنت، إلا الإنترنت غير الشرعي، وهذا دونه محاذير وعقبات عدة، تبدأ من المسؤولية القانونية، وصولاً إلى محاذير أمنية واستخبارية، مروراً بخطر ضياع داتا المستخدمين، أفراداً كانوا أو مؤسسات، أو استغلالها بما قد لا تحمد عقباه… فهل يمكن للأقمار الصناعية أن تكون بديلاً؟
تُستخدم الاتصالات عبر الأقمار الصناعية كنسخة احتياطية لكابلات الألياف البصرية البحرية من قبل مشغّلي الاتصالات. تُعد كابلات الألياف البصرية البحرية الوسيلة الأساسية لنقل البيانات الدولية نظراً لسعتها العالية وزمن الانتقال المنخفض. ومع ذلك، فهي معرّضة للتلف المادي والانقطاعات، بما يجعل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية بديلاً قيّماً لتحقيق الاستمرارية في الخدمة. ورغم أن الروابط عبر الأقمار الصناعية توفر سعة أقل وزمن انتقال أعلى مقارنة بكابلات الألياف البصرية البحرية، فإنها تشكل نسخة احتياطية حيوية، خصوصاً في حالات الحرب الطوارئ، أو في المناطق النائية حيث يكون من غير العملي مد الكابلات.
في حالة الحرب، تصبح الاتصالات عبر الأقمار الصناعية أكثر أهمية كنسخة احتياطية لكابلات الألياف البصرية البحرية. فالحرب يمكن أن تزيد من تعرّض كابلات الألياف البصرية البحرية للهجمات المتعمّدة أو الأضرار العرضية، بما يؤدي إلى تعطيل شبكات الاتصالات الدولية. لذا فإن الأقمار الصناعية توفّر بديلاً أقل عرضة لمثل هذه الهجمات المباشرة، بما يساعد في المحافظة على الاتصال للعمليات العسكرية والاستجابة للطوارئ والاتصالات المدنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأقمار الصناعية توفير التغطية في مناطق النزاع والمناطق التي قد تتعرّض فيها البنية التحتية للتدمير أو التضرّر.
أهمية دور الأقمار الصناعية في حال الحرب لجهة ربط الشبكة الثابتة وشبكتَي الخلوي بها كبديل من الكوابل البحرية، تحتم الأسئلة الآتية: أين أصبحت عضوية لبنان في هذه المنظمات التي تملك العديد من الأقمار الصناعية؟ هل يدفع مستحقاته؟ هل يقوم بصيانة وتيويم الأجهزة في محطة العربانية؟ لماذا لا تعمل محطة الأقمار الصناعية في العربانية كما كانت سابقاً، خصوصاً حيال اعتماد التلفزيونات اللبنانية والعالمية التي تبث من لبنان عليها (خصوصاً في الأزمات)… كما اعتمادها كرديف للكوابل البحرية لاستجرار الإنترنت والقيام بالاتصالات الدولية؟ وأين أصبحت مشاركة لبنان في الأقمار الصناعية المختلفة مثل عرب سات ونايل سات وغيرها؟
لكريدية وجهة نظر مختلفة، إذ يرى أن “ثمة مفاهيم مغلوطة حيال موضوع الأقمار الصناعية، وأن الواقع مغاير تماماً. فإلى التكلفة المرتفعة جداً، ثمة تعقيدات تقنية لا يمكن للأقمار الصناعية تخطّيها. ولكن، كان يمكن ربط أجهزة الدولة مع الخارج عبر الأقمار الصناعية”، مستغرباً في السياق، وقف محطّتَيْ جورة البلوط والعربانية من دون سبب وجيه “لو أنهما تعملان لكانتا جزءاً من الحل”. وعلى الرغم من إقراره أن الوقت قد تأخر للبدء بتفعيلهما، يؤكد أن “العمل يتركز حالياً على تفعيل الصحون الموجودة للبدء بالتقاط الإشارات من الأقمار الصناعية، ولكن هذا العمل يحتاج إلى وقت”.
وفي الانتظار، يؤكد كريدية أن ثمة خطة بديلة، ولكن لا يمكن الإفصاح عنها لكونها جزءاً الأمن القومي، بما قد يشكل خطراً على فعاليتها. ولكن هذه الخطة وفق ما يقول “لا تؤمّن الخدمة للبنانيين عموماً، بل تقتصر على أجهزة الدولة وبعض مؤسساتها ووزاراتها مثل الصحة والخارجية والمستشفيات والأجهزة الأمنية”، موضحاً أنها تشمل أيضاً وسائل الإعلام وإن بشكل محدود. ويتحدث عن السيناريو الكارثي إذا ضربت إسرائيل مداخل الكوابل البحرية القادمة من الخارج، إذ لا يمكن الاستعانة بسوريا خصوصاً أن بنيتها التحتية متآكلة، حتى إنه لا يمكن المرور عبرها بواسطة الكوابل الأرضية إلى تركيا لأن في ذلك تجاوزاً لعقوبات قيصر.
وأكد أن “أوجيرو” ليست معنيّة بالعقود من الأقمار الصناعية بل هي من مهام وزارة الاتصالات. أما بالنسبة إلى المفاوضات مع “ستارلينك”، فيؤكد أنه “لا علم له أين أصبحت المفاوضات مع الشركة، علماً بأنه لا يمكن التهاون بالشق الأمني، فالأجهزة الأمنية لا تزال تدرس إمكانية التعاون للتأكد من قدرتها على حماية معلومات المواطنين”.