كتب ابراهيم حيدر في النهار:
بعد أيام تنطلق الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية بفروعها الأربعة في مختلف محافظات لبنان. وهي امتحانات موحدة هدفها الحفاظ على هذا الاستحقاق بعد تجاوز السجال حول اعتماد المواد الاختيارية التي اختلف برنامجها عن العام الماضي، إذ جاءت في منزلة بين المنزلتين عبر الأخذ بالاعتبار ما تعلّمه تلامذة المنطقة الحدودية في الجنوب الذين نزحوا بسبب الظروف الأمنية الناجمة عن المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي.
يشكل إجراء الامتحانات أولوية لدى وزارة التربية، فإلغاءها يعني توجيه ضربة قاصمة للشهادة ولمستوى التعليم في لبنان. ولذا نشهد تركيزاً في الفترة الفاصلة عن موعد انطلاق أول أيام الامتحانات في 29 الجاري، يتمثل بالاستعدادات اللوجستية، حيث تم تحديد مراكز الامتحانات الرسمية في المحافظات وبينها في الجنوب والنبطية وأعدت قرارات تكليف اللجان الفاحصة والمراقبين، وجرى تتبع تلامذة القرى الحدودية، فيما سيتم خلال اليومين المقبلين توزيع وثائق الترشيح على التلامذة.
وشملت الاستعدادات أيضاً تجارب الكاميرات في المراكز وخدمة الانترنت وآلات طباعة الأسئلة، ما يدل على أن التحضيرات استكملت بعد توفير التمويل اللازم لإجراء الامتحانات الثانوية، خصوصاً بعد الغاء امتحانات البريفيه واختبارها الموحد في المدارس، وهو ما خفض كلفتها العامة.
تترافق الاستعدادات للامتحانات مع هدوء كامل على جبهتي التربية والرابطات والمعلمين، إن كان في الرسمي أو الخاص، إذ ليس من مصلحة أحد تعطيل الاستحقاق، إن كان لأسباب مالية أو بسبب الأوضاع الأمنية أو لحسابات سياسية ومصالح خاصة، ولا ذريعة أمام أحد لإلغائها، لأن ذلك سيقضي على ما تبقى من رصيد للشهادة ويؤثر سلباً على المتعلمين خلال السنوات المقبلة، إن كان من ناحية المستوى أو تعويض الفاقد أو حتى على إعداد المناهج الجديدة، وأيضاً في ما يتعلق بثقة الجامعات والقبول ومتابعة التحصيل العالي.
الأوضاع الأمنية الحالية في الجنوب لا تمنع إجراء الامتحانات في مناطق آمنة وهي ليست ذريعة لإلغائها. وباستثناء المنطقة الحدودية، ستجرى الامتحانات في مراكز في محافظتي النبطية والجنوب كما في سائر المحافظات. ووفق مصادر في التربية اتخذت إجراءات محددة لتأمين عدالة الامتحانات بين جميع المرشحين، فأًخذ بالاعتبار ما تعلمه تلامذة الحدود عن بعد ووضعت آلية سيتحدد على أساسها مستوى الاسئلة بما في ذلك زيادة الاختيارية منها، من دون فصلهم عن الامتحانات الموحدة للشهادة الثانوية.
أما في ما يتعلق بتعويضات الأساتذة والموظفين وبينهم مجموعات المراقبين والمقررين والمشرفين على الامتحانات، فهي ليست ذريعة للمقاطعة أو عدم الالتحاق بالمراكز، خصوصاً وأن الوزارة وفق المصادر ستدفع حوافز مالية وبدلات أتعاب الامتحانات كما في العام الماضي، لا سيما بعدما اقر مجلس الوزراء تمديد دفع بدلات الانتاجية والمساعدة للمعلمين خلال فصل الصيف.
ليس من عائق امام إجراء الامتحانات ولا مصلحة لأحد من المكونات التربوية بإلغائها، إذ أن ذلك سيعيد الاصطفافات الفئوية والطائفية في التعليم، خصوصاً وأن أكثرية المدارس الخاصة لم تكن موافقة على اعتماد المواد الاختيارية على الرغم من صيغتها المتوازنة. أما على مقلب المعلمين، فلا شيء يوحي بأنهم سيقدمون على التصعيد إذ أن التلاعب بالاستحقاق أو اتخاذه فسحة للضغط يؤذي أكثر مما يحقق من مطالب، وهم ليسوا بوارد استخدامها وسيلة تصعيد، فإجراء الامتحانات وعبور هذا الاستحقاق التربوي، لما يعنيه للبنانيين، مسألة في غاية الأهمية، إضافة إلى ما يليها من وضع أسس التصحيح وتصحيح المسابقات.
الوقت الآن ليس لمعارك ساخنة وشد حبال ومقاطعة. العائق الوحيد كان التمويل لانجاز الامتحانات، وبعد توافره ينبغي على الجميع اعتبار الامتحانات مسألة وطنية وتربوية بامتياز.