«أتيت لأكمل مسيرة رفيق الحريري» هذا أبرز ما أعلنه الشيخ بهاء رفيق الحريري فور عودته إلى بيروت عبر المطار الذي يحمل اسم والده الذي كان لديه مشروع إعماري واعد لبيروت ولبنان، بدأ بتحقيقه منذ تسلّمه رئاسة الحكومة عام 1992 بحيث نفضت العاصمة اللبنانية عنها غبار الحرب وعادت لؤلؤة الشرق الأوسط، وكاد لبنان يعود إلى سابق عهده من الازهار والسياحة والعمران لولا الحروب التي توالت عليه بدءاً من عملية عناقيد الغضب عام 1996 إلى حرب تموز/يوليو 2006 وصولاً إلى جبهة الإسناد لغزة اليوم والتي تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.
هذه العودة للشيخ بهاء تختلف عن سابقاتها من حيث الشكل والمضمون، فهي تأتي في ظرف دقيق حيث الجبهة الجنوبية مفتوحة على كل الاحتمالات، وحيث بدأت جماعات سنية في زمن الفراغ والتشتت في الشارع السني تعبّر عن تعاطفها مع غزة والقضية الفلسطينية من خلال الانخراط في القتال تحت راية حزب الله خلافاً للجو السنّي العام ونظرته إلى الحزب بعد صدور حكم المحكمة الدولية على كوادر من الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ويبدو الابن البكر للحريري مصمماً على مواصلة مسيرة والده وعدم التراجع عن القرار المتخذ. وقد استهل عودته بزيارة ضريح والده الشهيد في وسط بيروت، حيث قرأ الفاتحة عن روحه وعن أرواح رفاقه الشهداء، وانتقل إلى مسجد محمد الأمين الذي يحمل بصمات الحريري الأب الذي اغتيل في 14 شباط/فبراير 2005 لتدخل البلاد بعد هذا الحدث الكبير في مسلسل اغتيالات طال العديد من قيادات 14 آذار/مارس وصولاً إلى اجتياح حزب الله بيروت وبداية هيمنته على قرار الدولة واستئثاره بمجريات الحكم نتيجة التنازلات والتسويات المتتالية.
وقد استحوذت عودة بهاء الحريري على اهتمام العديد من شرائح المجتمع اللبناني وسط تساؤلات عن قدرته على احتضان الشارع السني الذي يفتقد إلى زعامة تعبّر حقيقة عن تطلعاته كمكوّن أساسي في البلاد شارك منذ عام 1943 بالميثاق الوطني وصولاً إلى اتفاق الطائف عام 1989 الذي أرسى قواعد جديدة للحكم وإدارة الدولة وكرّس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وأوقف العد كما أعلن الحريري الأب في أكثر من مناسبة، ليعود أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مطلع هذا الشهر ويلوّح بالعد، مستهجناً الحديث عن رفض غالبية الشعب اللبناني جبهة الإسناد لغزة، حيث قال «إما أن نرجع للعد، وإما كل واحد يعرف حجمه ويتكلم عمن يمثل وبما يمثل».
وعليه بات اللبنانيون يترّحمون على زمن المارونية السياسية وما شهدته من بناء للدولة ومن استقرار وازدهار كما يترحّمون على زمن السنية السياسية التي حاولت في زمن الوصاية السورية التوفيق بين الاقتصاد والعمران والانفتاح على العلاقات الدولية والعربية من جهة وبين المقاومة في الجنوب من جهة أخرى، قبل أن يتغلب مشروع هانوي على مشروع هونغ كونغ وتدخل إيران على الخط ويصبح لبنان ورقة بيدها للتفاوض والبيع والشراء.
انطلاقاً من كل هذه الوقائع، سيتحرّك الشيخ بهاء مع تشديده على الانفتاح على سائر المكونات اللبنانية وعلى خط الاعتدال الذي تميّزت به مسيرة والده وخصوصاً مع كل مَن ليست له أجندة خارجية. فالحريري يؤكد «أننا بيت اعتدال والرئيس رفيق الحريري رحمة الله عليه مشروعه عابر للطوائف. والأساس بالنسبة اليّ هو المواطن اللبناني واسترجاع كرامته وإعطاءه وظيفة واستقراراً وأماناً له ولأولاده ولزوجته ولكل المجتمع، هذا هو أساس كل تفكيري وعملي ومشروعي استرجاع كرامة اللبنانيين».
وخلال وجوده في بيروت، سيطلع بهاء الحريري من سيلتقيهم على رؤيته السياسية الاقتصادية التي خطط لها بتأن مع فريق اختصاصي للمساهمة في إنقاذ الوضع العام في البلد، ووقف الانهيار الذي يعاني منه. وسبق للشيخ بهاء أن اعتبر في حديث سابق لـ «القدس العربي»: «أن البلد على حافة الهاوية» وأيّد «مبدأ الحياد الذي يطالب به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي» معلناً «تمسكه بوقف العد ورفض الخروج عن اتفاق الطائف والعلاقات الخصوصية التي تجمع لبنان بالدول العربية والخليجية». فلبنان وفق تأكيده «في حضن الدول العربية، وعلينا ألا نقبل بوجود أحد داخل لبنان يحوّله إلى منبر لمهاجمة هذه الدول الكريمة التي أعطتنا الكثير من مساعدات ووفّرت فرص عمل للمغتربين اللبنانيين الذين يعملون لديها، ولولاهم لكانت لدينا مشكلة كبيرة».
واللافت أن عودة بهاء ترافقت مع تسريبات عن محاولات قام بها للتواصل مع القيادة السورية وحزب الله لكنها باءت بالفشل. ولئن كانت هذه التسريبات صعبة التصديق، فقد أدرجها البعض في سياق «الأفلام الخيالية» للنيل من هذه العودة والتشويش عليها. وذكّر هذا البعض بأن بهاء تواصل مع شقيقه الرئيس سعد الحريري قبل سنوات ونصحه بعدم انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وعدم الركون لحزب الله. ويوضح بأن بهاء الحريري هو ابن رفيق الحريري الذي يُلقّب بـ «أبو بهاء» وبالتالي لديه حق شرعي في إكمال مسيرته.
وكان مناصرون لـ «تيار المستقبل» تمنوا لو قال الشيخ بهاء «لن أدع أي أحد ينهي مشروع والدي الذي يحمله أخي سعد. ولن أدعم أي حزب أو تيار أو جمعية إلا تيار والدي ومن بعده أخي، وأدعوه للعودة عن قراره بتعليقه العمل السياسي وأتكفل بكافة تكاليف حملته الانتخابية في كل لبنان».
في ضوء كل ذلك، فإن الأيام المقبلة كفيلة بوضع النقاط على الحروف والدلالة إن كانت مهمة بهاء الصعبة ورؤيته السياسية والاقتصادية ستلقى الاحتضان الشعبي والالتفاف حولها كما حصل خلال لقائه أبناء صيدا في مراسم عزاء زوج عمّته بهية الحريري، أم سيبقى طيف شقيقه الشيخ سعد مسيطراً على الشارع وتصطدم هذه العودة بالخيبة وبالتيار الأزرق؟