كتب أحمد منصور في الأنباء الكويتية:
بات لكل بلدة جنوبية، لا بل لبنانية، قصة مع الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، المتواصل على لبنان منذ احتلال فلسطين في العام 1948، إذ إن مخالب العدوان الإجرامية وبصماته لاتزال واضحة وراسخة على جبين العديد من القرى الجنوبية، ومنها الحدودية كقرى البستان ويارين ومروحين، المحاذية للحدود مع فلسطين في قضاء صور.
هذه القرى وجاراتها الأخرى معدومة الحياة والأمن، وتلفها المخاطر من كل حدب وصوب، المتأتية من المواقع الإسرائيلية التي تتربص بالبلدة، ونتيجة للحروب الإسرائيلية عليها، والتي لها تاريخ طويل في مآسي مسلسل التهجير، والذي كان آخره مع تاريخ بدء العدوان في 8 أكتوبر من العام الماضي.
بلدة البستان التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن المواقع الإسرائيلية المقابلة عند الحدود، عرضة في شكل دائم لقصف تلك المواقع وعمليات التمشيط بالأسلحة الرشاشة.
تبعد البستان عن بيروت 140 كيلومترا وعن مركز المحافظة في صيدا 98 كيلومترا وعن مركز القضاء في صور 36 كيلومترا.
ارتبط اسمها ببركة المياه الزراعية الضخمة والتي تعرف ببركة ريشا، وقد طالتها يد الغدر والاجرام، حيث ارتكبت فيها إسرائيل في العام 1977 مجزرة ذهب ضحيتها اكثر من 26 شهيدا، ولاتزال هذه الحادثة ماثلة في أذهان الجميع.
رئيس البلدية عدنان الأحمد شرح لـ «الأنباء» تاريخ ومراحل العدوان الإسرائيلي على البلدة، فقال «انها من القرى الحدودية التي تقع على الخط الأزرق في قضاء صور، وقد تعرضت للقصف الفوسفوري مع بداية الحرب مرات عدة، وأدت إلى اصابة العديد من الأهالي بحالات اختناق».
ولفت إلى «ان موقعي بركة ريشا وحدب البستان، هما مصدر تهديد دائم للمنطقة، ويستهدفان بقية مناطق القطاع الغربي والاوسط».
وأضاف الأحمد «عدد سكان البلدة حوالي 3000 نسمة، وعدد المقيمين في الأيام الطبيعية 1300، وحاليا هي من البلدات التي أخلاها سكانها كليا مع بدء العدوان، ولم يعد يوجد فيها سوى 3 عائلات تقوم بتربية الماشية».
وأكد رئيس البلدية «ان الغارات الإسرائيلية وعمليات القصف، أدتا إلى تدمير عدد من المنازل، واحتراق مساحات زراعية واسعة نتيجة القصف بالقذائف الفوسفورية والحارقة».
وأشار إلى «ان مواقع الاحتلال الإسرائيلي على الحدود، تقع ضمن نطاق وخراج البلدة العقاري».
ولفت إلى «ان الحدود مع فلسطين كانت أبعد من ذلك، وبعمق 300 متر نحو الداخل الفلسطيني، وان القوات الإسرائيلية تعمد إلى قضم الأراضي اللبنانية تدريجيا، وهذا ما حصل مع بلدة البستان والقرى المحيطة لها، كنا نرى الحدود في السبعينيات أبعد من اليوم».
وذكر الأحمد انه «في العام 1977، تعرضت القرى الحدودية البستان ويارين ومروحين في قضاء صور وبلدة حانين في قضاء بنت جبيل، للتهجير الكلي على أيدي ميليشيا سعد حداد التي كانت تتعامل مع إسرائيل وقتذاك، حيث دخلت عناصر من تلك الميليشيا بتغطية من القوات الإسرائيلية إلى تلك القرى، وارتكبت مجزرة كبيرة في بلدتي البستان ويارين في 2 يوليو 1977، وذهب ضحيتها 24 شخصا من النساء والأطفال، كما تم تهجير اهالي بلدة حانين بزنار القصف المدفعي».
وتابع «بين العامين 1983 و1984، وبعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، عاد حوالي 10% من الاهالي إلى تلك القرى، وكان غالبيتهم من كبار السن، وقاموا بترميم منازلهم، إلى ان تمت العودة الكبرى العام 2000 بعد اندحار القوات الإسرائيلية، وارتفع عدد سكان البلدة المقيمين زهاء 40%، أي بحدود 1200 نسمة».
وأضاف «في حرب العام 2006، تعرضت البلدة مجددا للتهجير، وبعدها عاد الاهالي وجددوا بناء منازلهم من مغتربين ومقيمين. وبالنسبة إلى بركة ريشا، فهي تابعة جغرافيا وعقاريا للبلدة وملك البلدية، وتقع على الخط الازرق مباشرة، وتبلغ مساحتها حوالي 7000م2، ومخصصة لري المزروعات في البلدة»، لافتا إلى ان الموقع الاسرائيلي يبعد عن البركة 70 مترا.
وشدد على «ان اسرائيل دولة توسعية ولا تريد السلام، ولا تحترم حقوق الانسان، وهي دولة تريد الحروب لقضم الأراضي العربية»، معتبرا «انه عندما تحل القضية الفلسطينية، تحل جميع الامور والمشاكل».
وتمنى ان «تتوقف الحرب ويحل السلام ويعود الاهالي إلى قراهم وبلداتهم الجنوبية، ولكن مع هذا العدو ليس هناك من سلام، وقد تعودنا على الاعتداءات الإسرائيلية منذ قيام الكيان الصهيوني في العام 1948».
مروحين
المشهد نفسه ينسحب على بقية البلدات الأخرى المحاذية للحدود، وبلدة مروحين التي تعتبر الاخيرة جغرافيا في قضاء صور لجهة بنت جبيل، تحدها بلدات: راميا وشيحين والزلوطية والبستان، وحدود فلسطين المحتلة التي لا تبعد سوى 30 مترا، وتقابلها مستعمرة زرعيت في فلسطين التي يوجد فيها مواقع إسرائيلية عدة بالاضافة إلى موقع بركة ريشا، وتقوم بالاعتداء على البلدة وجوارها.
يبلغ عدد سكانها الاصليين 4000 نسمة، والمقيمين بشكل دائم 1200 نسمة، وقد كتب التاريخ انه في 10/10/2023 أخليت من السكان، ولم يبق فيها أي فرد.
رئيس البلدية محمد صالح غنام قال لـ «الأنباء» ان المنطقة لا تعرف الاستقرار والهدوء، وهي باتت تعيش في شكل دائم على وقع القصف المدفعي وهدير الطائرات الحربية، منذ العام 1948. وأشار إلى «ان إسرائيل تعمل على تدمير القرى والبلدات الحدودية، لتصبح مناطق مكشوفة أمامها». ولفت إلى «انه أحصي تدمير 53 منزلا بشكل كلي، بينها مدرسة البلدة و37 منزلا دمارا جزئيا».
ولفت إلى ان «عدد العائلات المقيمة في البلدة 143 عائلة، وقد نزحت جميعها من البلدة باتجاه صور وبيروت، مع بداية الحرب الإسرائيلية».
ونظرا إلى صعوبة الوصول إلى البلدة، والخطر الذي يلف المنطقة جراء حركة الطائرات الحربية والمسيرات في الأجواء، قال غنام «نتابع أوضاع البلدة من خارجها، والمرة الاخيرة التي زرناها كانت في عيد الاضحى المبارك، بعد التنسيق مع قيادة الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية».
وتابع «قصتنا مع العدو الإسرائيلي قديمة، ففي العام 2006 ارتكبت إسرائيل مجزرة في البلدة، وكانت حصيلتها عشرات الشهداء من النساء والأطفال، حيث طلبوا منا إخلاء البلدة خلال ساعتين، وفعلنا، وقد رافقت قافلة سيارات الاهالي طائرة إسرائيلية حتى منطقة شمع ـ البياضة وهناك انقضت على قافلة الاهالي وألقت حممها على النساء والاطفال».
وأضاف «في العام 1977 تم إخلاء البلدة على أيدي عناصر ميليشيا سعد حداد، وبعد الاجتياح عاد الاهالي، إلى ان تمت العودة الكبيرة العام 2000».