«تعوا ننزل تيرجع» تحت هذا العنوان يتحضّر جمهور «تيار المستقبل» للاحتشاد في ساحة الشهداء في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري يوم الأربعاء المقبل في 14 شباط لتوجيه رسالة إلى الرئيس سعد الحريري بضرورة التوقف عن تعليق العمل السياسي والبقاء في بيت الوسط قرب أهله وناسه لتصحيح الخلل في التوازن الوطني وملء الفراغ في الساحة السنية.
وقبل أيام على عودة الحريري من الأمارات لإحياء ذكرى والده رُفعت صور ولافتات تأييد وترحيب به في العديد من المناطق اللبنانية وخصوصاً في الطريق الجديدة وصيدا والبقاع وطرابلس وعكار تعبّر عن الوفاء للشيخ سعد وعن الشوق لرجوعه ومنها «ما مننساك انت الأساس، البلد بعدك مش بلد ناطرينك يا شيخ سعد، مع سعد بدنا نكمل لآخر نفس ليرجع البلد، نازلين لنأكد ما في غيرك بيحمي البلد» إضافة إلى لافتات تحيي ذكرى الحريري الأب ومنها «14 شباط.. بعدك بالقلب لو شو ما صار، على نهج الرفيق لآخر الدرب وما منبايع إلا سعد، 19 سنة وباقي حضورك أقوى من الغياب».
وهكذا لم يعد تاريخ 14 شباط موعداً لاستذكار جريمة الاغتيال، بل بات فرصة لرؤية سعد الحريري وإظهار حجم شعبيته وحثّه على العودة عن قرار تعليق العمل السياسي، وهذا مطلب لم يعد يقتصر فقط على مناصري «المستقبل» بل تجاوزهم إلى من عملوا على «تطفيش» الحريري من البلد بعدما تابعوا أداء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومصادرته صلاحيات رئيس الجمهورية. فهل باتت ظروف عودة الحريري ملائمة لاستئناف العمل السياسي؟ وهل رفعت المملكة العربية السعودية الحظر عن الحريري الابن؟
من المؤكد أن «تيار المستقبل» ما زال الطرف الأكثر تمثيلاً على الساحة السنية وهذا ما حدا برئيس مجلس النواب نبيه بري للقول «إن الانتخابات النيابية أثبتت أن سعد الحريري هو الناجح الأكبر على الرغم من اعتكافه حيث حصد 24 في المئة من الطائفة السنية من غير مشاركته فيها». ولكن على الرغم من قراءة الرئيس بري فإن وضع «تيار المستقبل» لم يعد كما كان في انتخابات 2005 أو انتخابات 2009 حيث كانت الانتخابات تجري على النظام الأكثري، فتفوز لوائح «المستقبل» المتحالفة مع قوى 14 آذار بالمقاعد النيابية ولو نالت 51 في المئة من الأصوات، في وقت أظهر قانون الانتخاب النسبي حضور قوى سنية لها تمثيلها في طرابلس والضنية والبقاع الغربي وبيروت وصيدا باختلاف الأحجام.
وإذا كان الرئيس الحريري مشى على مضض بالنظام النسبي في قانون الانتخاب بعد موقف كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر اللذين طالبا مع بكركي بتصحيح التمثيل المسيحي ووقف المحادل الانتخابية وتمنين الأحزاب المسيحية بإعطائهم نائباً هنا ونائباً هناك، فإن بعض النواب السنة الجدد الذين استفادوا من النظام النسبي ومن اعتكاف «تيار المستقبل» عن الترشح والانتخاب ما سمح لهم بالوصول إلى الندوة النيابية هم أكثر المتضررين من عودة الحريري كابراهيم منيمنة في بيروت وعبد الرحمن البزري في صيدا وحليمة قعقور في إقليم الخروب وينال الصلح ومحمد الحجيري في بعلبك وياسين ياسين في البقاع الغربي ومحمد يحيى في عكار وطه ناجي في طرابلس. ويتعرّض هؤلاء النواب لانتقادات قاسية من جمهور المستقبل على اعتبار أن لا حيثية شعبية لهم وأنهم غائبون عن الساحة بعدما ركب بعضهم موجة الثورة من دون أن يقدموا شيئاً للناس.
هذا الواقع المستجد أرخى بثقله على الساحة السنية التي باتت تشعر أنها يتيمة ومستضعفة بعدما كانت في زمن الرئيس رفيق الحريري من أقوى الطوائف في لبنان وبقيت مع الرئيس سعد الحريري في دورتي 2005 و2009 محافظة على حضورها القوي قبل أن تبدأ التسويات والتنازلات التي أقدم عليها الحريري تحت عنوان «منع فتنة سنية شيعية» تأكل من رصيده داخل فريق 14 آذار من دون أن يلقي من فريق 8 آذار وخصوصاً من الثنائي الشيعي إلا الكلام المعسول، في وقت كان الانقلاب يتم على حكومة الحريري قبل دخوله للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض عام 2011 بعد الانقلاب على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي اتهمت كوادر في حزب الله بتنفيذ اغتيال الحريري الأب وقيادات ثورة الأرز وتعكير علاقات لبنان بالدول العربية.
كل هذه التنازلات للشيخ سعد هي التي دفعت الرياض للضغط عليه لتقديم استقالته مباشرة على الهواء من المملكة قبل أن يتم احتضانه مجدداً من قبل الرئيس ميشال عون والثنائي الشيعي واللعب على التناقضات بينه وبين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط وتوجيه الاتهامات له ضمناً بتحريض المملكة عليه على قاعدة «فرّق تسُد».
يومها لوّح الحريري مراراً بـ «بق البحصة» لكنه لم يفعل في وقت مرّت العلاقة بين بيت الوسط وكل من معراب والمختارة ببرودة لافتة، فيما يرى البعض أن بعض المحيطين بالحريري هم وراء دعساته الناقصة.
أما اليوم يبقى السؤال هل تكون عودة الحريري ثابتة؟ وما صحة التكهنات عن ارتباط أي عودة للحريري بتسوية إقليمية تترافق مع وقف الحرب في غزة وترسيم الحدود البرية الجنوبية مع إسرائيل وانتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل هناك ضوء أخضر سعودي لمثل هذه العودة أم لا يزال الضوء أصفر؟