على السجادة الحمراء، سار الرئيس سعد الحريري يوم الاثنين ليدخل من جديد ابواب السراي، لكن هذه المرة زائرا مطمئنا الى خلف أسند له مهمة الرئاسة، عندما شعر ان كل الابواب اغلقت بوجهه. بحفاوة تامة استقبل نجيب ميقاتي ضيفه مشرعا له الابواب، كيف لا "والبيت بيتك، انت اللي بتستقبل مش نحنا"، تماما كما قال ميقاتي للحريري مرحبا به.
على عكس زياراته السابقة، التي كان يصل خلالها الحريري الى بيروت لاحياء ذكرى اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ ان اعلن تعليق العمل السياسي، كان مرتاحا هذه المرة وكأن عبء السنتين بدأ يزول عن كاهله، تمهيدا لعودة متى دقت ساعتها، ويكون ابن الشهيد رفيق الحريري جاهزا لملاقاتها بـ "نيو لوك".
فالتغيير لم يطرأ على مدة الزيارة فحسب، ولا حتى على مستوى اللقاءات والاتصالات السياسية التي يجريها الحريري في بيت الوسط، ولا حتى على حجم الحشد الشعبي الذي يعمل ويعول عليه جمهور "المستقبل" لتأمينه وفاء لسعد، الذي لا يزال الزعيم السني الاوحد على الساحة اللبنانية كما تقول اوساط "المستقبل"، فالتغيير شملل ايضا الحريري نفسه اقله من حيث الشكل، اذ بدا بـ "اللوك" الجديد "مشبشب"، على حد توصيف احد الذين التقوه في بيت الوسط. كيف لا وهو اثبت للجميع، و للخارج قبل الداخل، ان ابتعاده عن المشهد السياسي اللبناني شرذم الطائفة السنية واحدث خللا في التوازن، لا سيما في مجلس النواب حيث التمثيل النيابي للشعب اللبناني.
اليوم تبدل المشهد ولو جزئيا، فالذكرى الـ 19 لاستشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ستعيد النبض الى شارع سني أفقده تعليق الحريري للعمل السياسي، والامل بزعامة سنية توحّد صفوفه من جديد، وسيعود اليوم جمهور "المستقبل" ليستعيض عن "الخرزة الزرقاء" بشعارات: " معك لآخر نفس"، "عالوعد نكمل دربك"... والرسالة واضحة : تجديد البيعة لسعد: هو زعيم السنة!
بدوره، سيتسلح الحريري يوم 14 شباط 2024 بهذا الشارع وبهذه الساحة، ليوجه للخارج قبل الداخل الف رسالة تبدأ بـ : "انا موجود ومهما غبت ابقى الحاضر الاقوى"، ولا تنتهي عند: "لا بديل عني في الشارع السني والزعامة السنية للحريرية السياسية"! لتشكل هذه الرسائل بعدها السلاح الاقوى الذي سيتسلح به الحريري لتقوية شروط عودته السياسية المقبلة في اي تسوية قد تحصل.
وفي هذا السياق، يقول مصدر رفيع كان التقى الحريري بعيد وصوله الى لبنان: "موقف المملكة من الحريري لم يعد سلبيا على الاطلاق، فالمملكة منشغلة بملفات اكبر من تفاصيل الداخل اللبناني، وهي لا تستطيع ان تدير ظهرها بشكل سلبي للارادة الشعبية السنية في لبنان، وحتى للارادة الوطنية التي تجمع على وجوب عودة الحريري". ويختم المصدر بالقول : "حراك الحريري اليوم هو باتجاه العودة الحتمية، بانتظار توافر ظروف "الشراكة" الوطنية الداخلية ومرحلة التوافق على شخصية سنية".
صحيح ان لا كلمة سياسية مطولة للحريري اليوم، لكن الاكيد انه وكعادته سيجري دردشة مع الصحافيين يرد فيها على الاسئلة التي تدور ببالهم، بعد طول غياب اعلامي وبعدما كان ابلغهم يوم الاثنين: " بشوفكن بـ 14 شباط".
وبانتظار ما قد يخرج به الحريري بعد صمت كلامي دام سنتين، فاللافت كانت اللقاءات الديبلوماسية التي اجراها، وكان ابرزها لقاؤه مع السفيرة الاميركية ليزا جونسون، التي غادرت بعده جونسون السراي واصفة اللقاء بالممتاز .
وحول هذا اللقاء الذي بقي مضمونه بعيدا عن الاعلام، كشفت المعلومات ان السفيرة الاميركية حثت الحريري على العودة الى العمل السياسي، وهنا تشير مصادر خاصة الى ان الولايات المتحدة كما روسيا تؤديان الدور الابرز في تعبيد الطريق لعودة الحريري متى دقت ساعة التسوية الكبرى.
وفي هذا السياق، وفيما يعبّر الداخل اللبناني بمختلف اطرافه واطيافه عن الرغبة بعودة الحريري الى الحياة السياسية، ويجمع على هذا الامر، فالمعلومات تشير الى زحمة مواعيد على اجندة الحريري في بيت الوسط، اذ ان طالبي اللقاء معه كثر، كما ان غالبية الاطراف في الداخل ستتواصل معه اما بالمباشر واما هاتفيا، سواء على خط الرابية - بيت الوسط او ميرنا الشالوحي - بيت الوسط، كما على خط حارة حريك - بيت الوسط. وتشير المعلومات هنا، الى ان تواصلا هاتفيا حصل بالساعات الماضية بين حزب الله والحريري، عبر اتصال اجراه المعاون السياسي لامين حزب الله الحاج حسين الخليل بالحريري مرحبا به ومهنئا اياه بالسلامة، وبرسالة اختصرها بكلمة واحدة: "اشتقنالك". كما ان التواصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري كان أكثر من "شغّال" في الساعات الماضية.
وهنا تشير اوساط متابعة الى ان الحريري الذي كان لا يزال حتى الامس ملتزما الصمت، اعلن امام بعض "الاصدقاء الاوفياء" الذين التقوه يوم الاثنين، ان النية للعودة باتت موجودة لديه وقال ما مفاده: "انا حاضر للعودة، ولطالما كنت جاهزا لاكون بين اهلي واحبائي، واليوم لدي الاستعداد لكن متى تحين اللحظة المؤاتية". وقد فهم الزوار من هذا الكلام ان شيئا ما تبدل، والحريري بات اليوم اكثر رغبة بالعودة، وهذه هي المرة الاولى التي يعبر فيها عن رغبته بالعودة، وعن نيته بتعليق قراره بتعليق العمل السياسي، الا ان هذا الامر سيكون مرتبطا بما يرسم للمنطقة باكملها من مشهد جديد، لحظة الاعلان عن وقف العدوان على غزة وبلورة الحل السياسي الكبير، الذي سيكون لبنان بلا شك جزءا منه.
على اي حال، وبانتظار لحظة تلك التسوية الموعودة، فلا شك ان زيارة الحريري هذه المرة ليست كسابقاتها، وقد تكون ممهدة لعودته الى الحياة السياسية، والتي مهما تأخرت فانها ستحصل حتما، وقد تشهد عليها الاشهر القليلة المقبلة!