لا يمكن التذرع بالتبدلات المناخية التي تفرض هطول كميات كبيرة من الأمطار، لتحميلها وحدها مسؤولية الكوارث التي باتت مشهداً شبه يومي في أكثر من منطقة لبنانية. فذنب الأمطار الغزيرة الوحيد، وحتى لو تفوقت على معدلاتها السنوية، أنها فضحت إهتراء معظم البنى التحتية، التعديات، المخططات وأعمال تنفيذ الطرقات والمجاري الخاطئة، وغياب الصيانة، ليشكل كل منها بيئة حاضنة للإنهيارات والفيضانات، بأسوأ ظروف مالية يمر بها لبنان، فحولت الشتاء وخيراته عاملاً مفاقماً لضيق اللبنانيين.
الإنهيارات المتعددة التي تسببت بها الأمطار على طريق ضهر البيدر، قد تكون واحدة من الأمثلة التي اجتمeعت فيها العوامل الطبيعية، مع غياب الصيانة، والمخططات الخاطئة. فالمنطقة التي يفترض أن تغطيها الثلوج بمثل هذا الوقت من السنة، بما تحمله من عوامل تشرّب الأرض لمياهه ببطء، شهدت أمطاراً غزيرة في ساعات قليلة خلال اليومين الماضيين، لم تستوعبها تربة الجبال، فإنهارت بكميات كبيرة وعلى مسافة طويلة، لتجتاح الطريق الدولية الأساسية قرب «جسر النملية»، ما استدعى تدخل فرق مركز جرف الثلوج بضهر البيدر لإعادة فتح الطريق مجدداً.
ولكن على رغم خيرات الأمطار التي ظهر تدفقها على شكل ينابيع متفجرة في الجبل، فإنّ تداعيات سيولها لم تصب سوى المحلة التي عبثت فيها الجرافات في إطار تنفيذ مشروع الأوتوستراد العربي، غير المستكمل.
بحسب وزير الأشغال علي حمية، فإنّ الإستنتاجات الأولية التي قد تحتاج إلى مزيد من الدراسة، تشير إلى تسبب العبث بالمنطقة من دون إستكمال الأعمال، بضعف في بنيتها.
وهذا الضعف يبدو أنه بقي مستوراً في السنوات الماضية، إلى أن فضحته السيول الكبيرة التي حلّت مكان الثلوج، فهبط جزء من الجبل على الطريق الدولية، في أكثر ساعات الذروة التي تشهدها هذه الطريق بعد ظهر يوم الأحد. وعليه نجا العابرون بقدرة إلهية فقط، بمقابل أضرار لحقت بالطريق المحاذية للجزء المنهار من الجبل والتي تضعضعت دعاماتها، لتزيد من مخاطر الإنتقال على طريق ضهر البيدر عموماً، والتي إلى جانب إفتقادها للصيانة منذ أكثر من 13 سنة كما ذكر وزير الاشغال أمام فريق عمله، تفتقد أيضاً لأبسط مقومات السلامة العامة، وخصوصاً ليلاً حيث تعايش المارون، ومن بينهم وزير الأشغال الذي هو إبن محافظة البقاع، مع ظلامها الدامس.
يوم أمس الإثنين، مُنعت الشاحنات من سلوك الطريق، مخافة من أن تتسبب حمولتها بإنهيارات إضافية في الجزء المتصدع من الدعامات. بالمقابل توجه فريق وزارة الأشغال إلى المكان، وعمل على معاينة الأضرار وتحديد الإجراءات المطلوبة. وقد تبعه إلى المكان متفقداً وزير الأشغال، الذي طلب من فريق عمله أكثر من مرة «المعلومة». ولما سألته «نداء الوطن» عن ما قصده بالمعلومة تبيّن أنّها تتعلق بتكلفة الأعمال المطلوبة.
من حق حمية أن يقلق على الكلفة بظل واقع مأزوم مالياً، إلا أنه بدا مقتنعاً بأنها لا توازي أولويات تأمين السلامة العامة. متحدثاً عن إتخاذ الإجراءات التي تحول دون تكرر وصول التربة المنزلقة ومياه السيول إلى الطريق العام، من خلال خلق الحواجز، وجمع مجاري السيول لتصب جميعها تحت الطريق الدولية، بالإضافة إلى البدء بتدعيم الجزء المتصدع من أساسات الطريق الدولية.
وإذ لفت حمية إلى أنّ طريق ضهر البيدر وبعض الطرقات في لبنان هي طرقات محورية للتواصل، وبالتالي المباشرة بالأعمال «الطارئة» المطلوبة يعتبر من حالات الإغاثة، تجنب في المقابل الإجابة على سؤال وجّه إليه حول ما أثاره الرئيس نجيب ميقاتي عن توجهه لفتح ملف فساد متعهدي الطرقات وصيانتها.
فأولويته كما قال هي لإصلاح الطريق والسلامة العامة، متجاهلاً أنّ غيابها ليس سوى نتيجة لبعض هذا الفساد الذي اعتبر حمية أن ملفاته قديمة وليست على إيامه.