من المقرّر أن تنطلق اليوم في ساحة النجمة جلسة مناقشة مشروع موازنة العام 2024، بعدما حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري يومي الأربعاء والخميس في 24 و25 الجاري موعداً لها صباحاً ومساءً. وفي حين كسرت هذه الجلسة منطق مقاطعة العديد من الكتل والتكتلات النيابية الكبرى جلسات البرلمان، إلا أن السؤال الذي يُطرح: هل فعلاً ستكون هذه الموازنة بصفر عجز للمرة الأولى بتاريخ لبنان كما يقول البعض؟
للإجابة عن هذا السؤال تبيّن أنّ هناك رأيين: الأول يعتبر أنّ الموازنة هي فعلاً بصفر عجز، خصوصاً بعد التعديلات التي أدخلتها لجنة المال والموازنة عليها، حيث عقدت 26 جلسة نتج عنها تعديل 73 مادة من مشروع الحكومة وإلغاء 46 مادة وإضافة 8 مواد جديدة.
وهذا التوجّه ربّما سيبرز في تقرير لجنة المال الذي يُفترض أن يتلوه رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان بداية الجلسة، وسيركّز على أهم ما قامت به اللجنة لجهة الإصلاحات البنيوية ولا سيما منها وقف إجازة الاستدانة من دون سقف محدّد، وإلغاء مرور الهبات من دون رقابة وتدقيق ووقف القروض المدعومة من مصرف لبنان من أموال المودعين، وإلغاء إجازة نقل الاعتمادات المتعلّقة بالكهرباء، إلى جانب حظر إعطاء سلفة خزينة خارج رقابة المجلس النيابي، وإلغاء عدد كبير من المواد المتعلقة باستحداث رسوم وضرائب جديدة، وتوحيد المعايير في موضوع التعديلات الضريبية وإعادة النظر في الإيرادات ما يُمكن أن يؤدي إلى إطفاء العجز (صفر عجز).
كذلك، جرى تعديل على موازنة وزارة الصحة بما يؤمّن مبلغ 12 ألف مليار وهو كلفة تأمين أدوية السرطان والأمراض المستعصية وفق آلية لا ينقطع معها الدواء، كما تمّ تعديل الزيادات على الرسوم لتكون عادلة على القطاعين العام والخاص وفق مؤشر تضخم مصرف لبنان.
وهناك من يرى أيضاً أنه وفقاً لمتغيّرات سعر الصرف والأرقام التي كانت تُخصّص لموازنات الوزارات وكذلك للرواتب، يُمكن القول إنّ هناك صفر عجز بالقياس، ولكن هذا لا يلغي أن متن المشروع لا يزال يتضمّن ما هو أكثر من فرسان موازنة، نظراً لأنّها ليست من أصول الموازنة، وقد تكون مبرّرة في هذه الفترة بسبب عدم قدرة الحكومة على إعداد مشاريع قوانين وإرسالها إلى مجلس النواب بسبب الشغور الرئاسي وتصريف الأعمال والواقع السياسي، بمعزل عن أحقية هذا الموقف أو ذاك.
في المقابل، هناك من يجزم بأنه لا يُمكن القول «صفر عجز» لأسباب عدّة أهمها أن لا قطع حساب كالعادة ولا توازن وترابط لأنها بلا رؤية ومفكّكة، وفيها الكثير من الإنفاق من خارج الموازنة، فلبنان متوقّف عن دفع الديون ولا إعادة جدولة لها، وهناك سلفات خزينة بقيمة تتجاوز 41 ألف مليار تمّ دفعها كرواتب وأجور بلا قيود لها في الموازنة، ولا اعتمادات لوزارة الأشغال من أجل الصيانة مثلاً وهناك الزيادات التي يدرسها مجلس الوزراء للقطاع العام والتي ستكون كسلفات خزينة.
كل ما تقدّم يجعل الحديث عن «صفر عجز»، برأي مصادر نيابية، بمثابة كلام وهميّ يُقدّم إلى الجهات الخارجية كالبنك الدولي وصندوق النقد من أجل استعادة الثقة، بينما في الواقع هو ليس كذلك.
تبقى الإشارة إلى أن عدد النواب الذين سجّلوا أسماءهم لدى الأمانة العامة لمجلس النواب حتى بعد ظهر أمس تجاوز الـ40 من مختلف الكتل والتيارات، ما يجعل أيام انعقاد الجلسة والمناقشات مفتوحة على احتمال التمديد قبل التصويت على مواد القانون وبنوده التي لها وضع آخر. فهناك «الفتوى» التي حاول نواب «التيار الوطني الحرّ» القيام بها، لجهة تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر يتبنّى مشروع الموازنة، وهو ما رفضته دوائر مجلس النواب وحتى رئيس المجلس باعتباره مخالفة وهرطقة دستورية غير مسبوقة، لأن الدستور واضح لجهة أن الحكومة هي التي تُعدّ مشروع الموازنة. كذلك لم تتّضح بعد مواقف الكتل من التصويت مع أو ضدّ القانون رغم مشاركة الجميع في المناقشات في لجنة المال، ولم تُعرف ماهية المخارج التي قد يلجأ إليها بعض النواب والكتل لتبرير المشاركة أو عدمها في الجلسة وكذلك التصويت على الموازنة.