كتبت سابين عويس في النهار:
كان للسيناريو المتوافَق عليه بين رئيسي المجلس نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في شأن ملف قيادة الجيش، ان يسير تماماً كما رسمه الرجلان، لو لم يدخل وزيرالدفاع موريس سليم على خط كشف الحلقة الاخيرة منه عبر ممارسة صلاحيته باتخاذ الاجراء الاداري لمنع شغور القيادة.
انتظر بري ميقاتي ليعود من دبي وجنيف، ليبادر إلى الدعوة إلى جلسة للهيئة العامة للمجلس، في آخر جدول اعمالها الطويل بند التمديد، فسارع ميقاتي إلى الدعوة إلى جلسة حكومية في توقيت اعتبرته اوساط قريبة منه بمثابة ضربة معلّم، اذ ان انعقاد مجلس الوزراء سيأتي بعد ان تتكشف نتائج الجلسة النيابية ومواقف الكتل من اقتراحات القوانين المتعلقة بالتمديد لقائد الجيش.
لكن السيناريو الموضوع لا يهدف ابداً إلى اقرار التمديد في المجلس، بل إلى تمرير اقرار بعض مشاريع القوانين، ودفع المعترضين على التشريع الى النزول الى المجلس. ذلك ان بري، وقد بات موقفه معروفاً، لا يرغب في تولّي المجلس بتّ ملف هو في الدرجة الاولى من صلاحية الحكومة. فالموضوع المطروح ليس تمديداً لقائد الجيش، بل تأجيل تسريحه. وتأجيل التسريح هو اجراء إداري من مهمة وصلاحية وزير الدفاع. أما إذا تمنّع الوزيرالمختص عن القيام بدوره وتحمّل مسؤوليته، فيترتب على رئيس الحكومة التدخل واقتراح الاجراء المناسب على طاولة مجلس الوزراء لاتخاذ القرار الذي يمنع حصول الشغور في قيادة المؤسسة العسكرية.
وفي حين كان يُفترض ان يكون النقاش وحتى الضغط اليوم من اجل اقرار القوانين الملحّة والضرورية مثل مشاريع “الكابيتال كونترول” او الضمان او الصندوق السيادي، تبدو القوى السياسية منشغلة بملف قيادة الجيش الذي خرج عن بُعده الإداري البحت ليدخل في صلب التجاذب السياسي والبازار المرافق له على خلفيات مصالح سياسية خاصة ولكل فريق من الافرقاء حساباته المختلفة، وانما التي تلتقي على ابقاء هذا الملف في ذروة الصراع.
لا يمكن الحديث عن تمديد لقائد الجيش على طاولة مجلس الوزراء لأن قرارا كهذا يتطلب قانونا، بل يمكن الكلام عن تأجيل تسريح كونه الاجراء الإداري الأمثل في ظل الظروف الاستثنائية القائمة بسبب شغور موقع رئاسة الجمهورية. اما الطعن الذي يهدد به “التيارالوطني الحر” امام مجلس شورى الدولة، من ضمن خطوات تصعيدية سيلجأ اليها لمنع تأجيل تسريح العماد جوزف عون، فهو قانوني لجهة عدم صدوره عن الوزير المختص، ولكن يمكن ان يقابله طعن في الوزير نفسه لتخلّفه عن القيام بوظيفته وتعريض المؤسسة العسكرية للشلل.
ولعل هذا اخطر ما في الوضع، إذا ما ذهب مجلس الوزراء إلى إقرارتأجيل التسريح بناء على اقتراح من ميقاتي من خارج جدول الاعمال، كما يتردد، بموجب دراسة قانونية اعدها الامين العام لمجلس الوزراء. لكن وزير الدفاع استبق هذا المسار، كما استبق الجلسة الحكومية ليقطع الطريق على ميقاتي، في استكمال لآخر فصول السيناريو، عبر توجيه كتاب يبلغه فيه قيامه بالمقتضى لوضع حد نهائي للشغورالمرتقب في قيادة الجيش، من دون ان يكشف عن الاجراء الذي سيقوم به، اذ يقول في كتابه: “نقوم بالمقتضى عبر الإجراءات الإدارية المتعلّقة بوضع حدّ نهائي للشغور المرتقب في قيادة الجيش، ولاستمراره في هاتين المؤسّستَين الرئيسيّتَين وفي رئاسة الأركان، وذلك في ضوء ما جرى التفاهم حوله في الاجتماعات معكم، وبما يتوافق مع الأحكام الدستورية والنصوص القانونية المرعية الإجراء”.
لم يحدد سليم ما هو مضمون التفاهم الذي حصل في الاجتماعات التي اشار اليها، لكنه فضح بكتابه التفاهمات المسبقة التي افضت الى تأخير ارسال الكتاب لغاية امس، اي عشية الجلسة الحكومية. ومضمون الكتاب يؤشر إلى الاجراءات الادارية التي ترمي الى تعيين مجلس عسكري جديد بما فيها قائد للجيش ورئيس للأركان، بعدما سقط خيار تكليف الضابط الأعلى رتبة، نظراً إلى الرفض الذي يواجهه، وفي ظل التمسك بتعيين رئيس للاركان، وبدا واضحًا من كلام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لـ “النهار” اول من امس عدم ممانعته لخيار كهذا.
امتنعت اوساط ميقاتي عن الرد على كتاب سليم. لكن الأكيد انه لم يعد في مقدور رئيس الحكومة تقديم اي اقتراح، لكنه في المقابل رفع عن نفسه مسؤولية هذا الملف، ولا سيما امام بكركي المتمسكة بالتمديد لعون. وهذا بدوره يعني ان “حزب الله” حسم خيار اقصاء عون عن قيادة الجيش، ومنحه لـ”التيار الوطني الحر” وسط معلومات عن مقايضة القيادة برئاسة الجمهورية، بحيث يسير رئيس التيار جبران باسيل بمرشح الحزب سليمان فرنجية للرئاسة، حاصداً قيادة الجيش ثمناً لها.