إصلاحات كرامي بدأت بـ"المحمصاني": ثانوية بثمانية طلاب!

وليد حسين - المدن

غريبةٌ هي القراراتُ "الإصلاحية" التي تصدر عن وزيرة التربية، ريما كرامي، لدعم المدرسة الرسمية. فعوضًا عن إقفال المدارس المتعثّرة ودمج طلابها بمدارس أخرى في المنطقة عينها، قرّرت كرامي السير في اتجاهٍ معاكس. وقد تجلّى "عهد الإصلاح" في ثانوية زهية سلمان الكائنة ضمن مجمّع المدارس في بئر حسن؛ فعوضًا عن إقفال ثانوية صبحي المحمصاني المتعثّرة ونقل الطلاب الثمانية الذين تسجّلوا فيها للعام الدراسي الحالي إلى ثانوية زهية سلمان، قرّرت وزارة التربية نقل طلاب من زهية سلمان إلى المحمصاني لإبقائها قائمة، رغم كل الهدر الذي ينجم عن مثل هذا القرار "الإصلاحي".

نقل قسري للطلاب من ثانويتهم

في التفاصيل، تواصل طلاب من ثانوية زهية سلمان مع "المدن" طالبين النجدة لعدم نقلهم قسرًا من ثانويتهم بعد شهرٍ على بدء العام الدراسي، وبعد مضيّ سنواتٍ على انتسابهم إلى الثانوية.

تعود وقائع محاولة النقل القسري إلى نحو شهرٍ. فبعد انتهاء مرحلة تسجيل الطلاب في المدارس الرسمية، تبيّن أن 8 طلاب فقط لا غير سجلوا أسماءهم في ثانوية صبحي المحمصاني، وهم موزَّعون على فرعي علوم الحياة والعلوم العامة أيضًا.

مشكلةُ عدم إقبال الطلاب على التسجيل في "المحمصاني" لا تقتصر على تراجع عدد الطلاب في المنهج الفرنسي (حالةٌ عامة في لبنان) فحسب، بل على افتقار الثانوية إلى أبسط مقوّمات الحياة التعليمية. فمنذ سنواتٍ تعاني من غياب المياه والكهرباء، والمراحيض بلا صيانة، وبلا كافيتيريا، كما أكّد الطلاب وأساتذة لـ"المدن".

يفضّل الأهالي تسجيل أولادهم في ثانوية زهية سلمان، وهي ليست بعيدة عن "المحمصاني"، لأن تخصيص هيئةٍ إداريةٍ وتعليميةٍ من عشرات الأساتذة والموظفين لخدمة ثمانية طلاب فضيحةٌ كاملة الأوصاف، قررت الوزارة نقل نحو 56 طالبًا من المنهج الفرنسي من زهية سلمان إلى المحمصاني. وذلك رغم أن العام الدراسي قد بدأ، وتوزعت الدروس والحصص، ويتعلم الطلاب في مدرستهم كالمعتاد.

رفض أهالي الطلاب في زهية سلمان هذا النقل القسري، وحاولوا رفع الصوت قبل صدور القرار لكن من دون جدوى. ويوم أمس تبلّغ الطلاب قرار نقلهم إلى ثانوية صبحي المحمصاني، وحضروا اليوم ليس للدخول إلى الصفوف، بل للاعتراض في باحة الثانوية والانطلاق في مسيرة إلى وزارة التربية. علمًا أن بعض العائلات قررت نقل أولادها إلى ثانوياتٍ أخرى بعدما فشلت كل المساعي في الحفاظ على بقائهم في زهية سلمان.

عدم إقفال أي مدرسة رسمية

لا تريد وزيرةُ التربية ريما كرامي إقفالَ أيِّ مدرسةٍ في عهدها، كما سبق وقالت. ظنَّ أهالي الطلاب أن هذا الشعار جذّاب، ويأتي من خلفية الحفاظ على التعليم الرسمي. لكن سرعان ما انفضح الأمر. لا تريد كرامي إقفال أيّ مدرسةٍ، ليس لدواعٍ إصلاحيةٍ لتعزيز التعليم الرسمي والتشجيع عليه، بل لعدم إقفال مزاريب الهدر في القطاع لدواعٍ طائفية. فمثال "المحمصاني" ينطوي على هدرٍ ماليٍّ وفسادٍ إداريٍّ كبير. وإلّا فما الداعي لعدم إقفال ثانويةٍ بلا هيئةٍ إداريةٍ، وتسجَّل فيها ثمانيةُ طلابٍ فقط لا غير؟ ولماذا لا يتمّ نقلهم إلى ثانويةٍ لا تبعد عن الأولى إلا مئتي مترٍ، وتسجَّل فيها نحو 56 طالبًا؟ هل الدواعي أكاديميةٌ أم طائفيةٌ؟ وهل يستدعي الأمر إقفال جميع الصفوف من السابع ولغاية الثاني عشر في مدرسة زهية سلمان ونقل الطلاب إلى "المحمصاني" لإبقاء هذه الثانوية؟ أما يكون الإصلاح في دمج ثمانية طلابٍ في فرعي علوم الحياة والعلوم العامة مع أقرانهم في زهية سلمان؟

قضيةُ عدم إقفال المدارس المتعثّرة ودمجها مع أخرى في المنطقة عينها ليست جديدةً. فكلّ وزراءِ التربية المتعاقبين لم يجرؤوا على اتخاذِ هكذا قرارٍ إصلاحيٍّ يخفّف الهدرَ والفساد، والسببُ الموانعُ الطائفية. فإقفالُ أيّ مدرسةٍ متعثّرةٍ يُقفل البابَ على التوظيف الزبائني والعشوائي، وهذا ليس من مصلحة القوى السياسية. تُستحضَر الطائفية ومظلوميةُ هذه الطائفة أو تلك لمنع إقفال المدارس الرسمية. لكن في ثانوية صبحي المحمصاني، الأمر فاقعٌ للغاية. فمفهومُ المدرسة المتعثّرة يطال المدارسَ التي لا يتخطّى عددُ طلابها 200 طالبٍ. لكن في بعض المناطق ينخفض العدد إلى ما دون المئة طالب، ولا تُقفَل المدرسة لأسبابٍ طائفية. ولم يحصل أن تُفتَح مدرسةٌ بثمانية طلابٍ أبوابَها، ويُصار إلى نقلِ طلابٍ من مدرستهم وضمّهم إلى الأولى لعدم إقفالها.

كرامي أخطأت طريق الإصلاح  

كان المنتظَر من كرامي عهد إصلاحيّ يهدف إلى تحقيق حقوق الطلاب والأهالي، كما وعدت عند تسلُّمها الوزارة. والإصلاحُ المنتظَر كان أقله وقفَ الهدر قبل إصلاح الإدارة. لكن ما هو حاصلٌ في أروقة الوزارة – ولا يتّسِع المجال هنا لتعداد المخالفات، هو تكريس إدارة موازية للإدارة العامة من خلال حلقةِ المستشارين الذين يتدخّلون في كلّ شاردةٍ وواردةٍ في عمل الإدارة من دون أيّ صفةٍ إداريةٍ لهم. وعوضًا عن استبدال المفاتيح الأساسية للإدارة (وجميعُهم بالتكليف، بالمناسبة) بأشخاصٍ أكفّاء تثق بهم الوزيرة ويكون ذلك أهمَّ إنجازٍ في مسار الإصلاح الإداري، أبقت على الطاقم الاستشاري الموروث من الوزير عباس الحلبي، وأضافت إليه مستشارين جددًا دخلوا في صدامٍ مع الإدارة.

منذ وصولها إلى الوزارة، تُصرح كرامي بأنها تكرّس جهدها لدعم المدرسة الرسمية، وتتواصل وتتفاوض مع المانحين لهذه الغاية. وهذا تمامًا ما حاول فعله الوزير عباس الحلبي. لكن، مثلها مثل الحلبي، أخطأت في اختيار الطريق الذي يعيد إلى المدرسة الرسمية دورَها. فالأخيرة ليست بحاجةٍ إلى دعم من المانحين، بل إلى تغيير السياسات التربوية وإصلاحِ الخلل الفاضح في نظام التعليم في لبنان، القائم على القطاع الخاص والمموَّل من الدولة من خلال المنح المدرسية للقطاع العام. وهذا قبل الحديث عن أولوية وقف الهدر والفساد في القطاع الرسمي وترشيد الإنفاق العام بما يخدم جودة التعليم. وحينها تعود الثقة إلى المدرسة الرسمية، ويعود اللبنانيون إلى تسجيل أولادهم فيها، من دون الحاجة إلى فيديوهات ترويجية للمدرسة الرسمية تكثر منها الوزارة في الآونة الأخيرة.

لا يكفي أن يكون الراحلُ سعيد عقل خريجَ المدرسة الرسمية (كما جاء في الفيديو الترويجي للوزارة) كي يقتنع اللبناني بأنه عليه الانتساب إلى المدرسة الرسمية، بل هو بحاجة إلى سياسات حكومية واضحة لدعم المدرسة الرسمية وإقفالِ مزاريب الهدر الناجمةِ عن دعم القطاع الخاص على حساب القطاع العام. أمّا مثال ثانوية صبحي المحمصاني "الإصلاحي" فلا يستدعي إلّا الأسف والترحم على العهود السابقة

  • A-
  • A+

© Lebanese Citizens News. All rights reserved.