بالنسبة لإسرائيل، لا تنتهي الحكاية مع قيادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وأي ساحة أخرى، لمجرد اغتيالها، بل تواصل مراكزها البحثية الأمنية والاستراتيجية عمليات التتبع والتحليل لعوالم ومكنونات الشخصيات القيادية التي لطالما عدّتها الأخطر، ولعبت أدواراً دراماتيكية مؤثرة على صعيد المواجهة وأدواتها، وهو نهج تحاول من خلاله دوائر إسرائيل الأمنية أن تفكك تلك الشخصيات حتى بعد مماتها، نفسياً وآيدولوجياً وتربوياً ومجتمعياً؛ كي تخلق واقعاً يحول دون ولادة نماذج قيادية مماثلة.
لذلك، يواظب الباحثون الإسرائيليون العاملون في مراكز أمنية، على مطاردة أي محتوى في السوشال ميديا، وأي تقرير أو وثائقي عن أحد قيادات المقاومة، كما هو حال الباحث الأول في معهد "مسغاف للأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية"، يوسي مانشروف، الذي رصد وثائقياً قال إن مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، هو من أصدره في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال رئيس دائرة العمليات الخاصة في "حزب الله" ومؤسس "قوة الرضوان"، إبراهيم عقيل، (المعروف باسم الحاج عبد القادر) الذي اغتيل في 20 أيلول/سبتمبر عام 2024 في غارة جوية استهدفته وقيادات القوة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
مركزية نصرالله
وأعاد الباحث يوسي مانشروف، بصفته متخصصاً في شؤون "حزب الله" وإيران، نشر الوثائقي على صفحته في موقع "إكس"، طارحاً أبرز الاستنتاجات والخلاصات التي توصل إليها من خلال الوثائقي الذي سلط الضوء على محطات مختلفة من حياة عقيل، متضمناً مشاهد ومقتطفات صوتية له في مراحل عمرية وقيادية مختلفة.
وكانت ابنته نرجس عقيل متحدثة رئيسية في الوثائقي، حيث تحدثت عن رحلته في الحياة لاكتشاف الحقيقة، في إشارة إلى اطلاعه على كل الأديان والأفكار، حتى تأثر بالإمام موسى الصدر، وانتهى به المطاف مقاتلاً وقيادياً رفيعاً ومنسجماً مع مدرسة الخميني الفكرية والدينية والسياسية، ففهم على أساس ذلك مسألة قتال إسرائيل ومقاومتها.
ووفق ادعاء يوسي مانشروف، فإن الوثائقي يبرز نقاطاً رئيسية تتعلق بحزب الله، سواء على صعيد الهرم القيادي وكيفية صناعة القرار، أو على مستوى العلاقة العضوية بين الحزب وإيران. وبتفصيل أكبر، فإن النقطة الأبرز في الوثائقي المذكور بمنظور الباحث الإسرائيلي، تكمن في "مركزية" أمين عام حزب الله السابق، حسن نصرالله، في عملية اتخاذ القرار داخل الحزب.
وهنا نوه مانشروف، إلى أنّ إبراهيم عقيل، حتى عندما كان قادة الحزب يوصون باتجاه عمل معين، فإنه ليس صاحب القرار النهائي، فإذا اقترح نصرالله سبيلاً آخر، تبيّن أن حكم الأخير "كان الأصح" بالنسبة لعقيل، حسب ما قال الباحث الإسرائيلي الذي اعتبر أن هذا يبرز مركزية نصرالله في حزب الله، وبالمقابل حجم الانكسار الذي يعانيه الحزب في غيابه.
العلاقة التآزرية مع إيران
أما المسألة الثانية التي زعم الباحث الإسرائيلي بأنها نقطة رئيسية تُستخلص من الفيلم الذي أنتجته قناة "الكوثر" الإيرانية، وليس "حزب الله"، فهي تتعلق بـ"العلاقات التآزرية" مع الجمهورية الإسلامية، ويستند يوسي مانشروف في ذلك، إلى ما روته نرجس ابنة عقيل، حيث قالت إن والدها "كان يقدس الخميني وفكره"، كما توقف مانشروف عند مقاطع قال إنها "تؤكد" أنّ الروابط الوثيقة والخاصة بين حزب الله وطهران "تنبع من الانتماء الديني للحزب إلى النظام الإيراني، ومن طاعته لسلطة الفقيه في إيران"، في إشارة الى الانتماء الى المرجعية الدينية في قم. وزعم الباحث الإسرائيلي أنه "من هذا الأساس الأيديولوجي ينبع أيضاً التزام حزب الله بتدمير إسرائيل".
ومع ذلك، أقر الباحث في معهد مسغاف الإسرائيلي، بأن هناك واقعاً مفاده أن حزب الله لا ينضم بالضرورة إلى المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، دالاً على ذلك، بأن الحزب لم يُؤازر إيران في حرب مع إسرائيل في حزيران/يونيو الماضي.. مشيراً إلى أن طهران تدرك التعقيدات السياسية التي يواجهها الحزب، ولذلك لم تطالبه بالدخول إلى تلك المواجهة.
تصور الحزب لذاته
أما النقطة الثالثة التي استنتجها يوسي مانشروف، فهي تصور حزب الله لذاته، وقد بنى الباحث الإسرائيلي افتراضه هذا، من مقطع صوتي لعقيل ورد في الفيلم الوثائقي، قال فيه إن الحزب يرى نفسه "استمراراً لمسيرة الإمام الحسين وأنصاره في القرن السابع". وهنا، قال مانشروف إنّ الحزب يقاتل من أجل "الإمام الغائب"، وأن هذه العقيدة تعزز رؤية الحزب لنفسه، ك"قوة لا تُقهر". وبذلك، تتبع إسرائيل أساليب علنية وأخرى سرية، للوصول إلى مفاتيح تقويض الحزب عضوياً وفكرياً، وصولا إلى تغيير عقليته وجعله "تحت السيطرة"؛ لأنها تعلم بأنه لا توجد إمكانية للقضاء عليه نهائياً.
التنسيق العملياتي مع "حماس"
وبالطبع، لم ينسَ يوسي مانشروف التوقف أيضاً عند علاقة حزب الله مع حماس، ومستوى التنسيق بين الطرفين في السنوات الأخيرة، وقد أعاد الباحث الإسرائيلي سرد ما قالته نرجس ابنة عقيل، مؤكدة أن والدها كان يؤمن بأن الجبهة اللبنانية وجبهة قطاع غزة "جبهة واحدة"، وأنه كان ملتزماً بالنضال الفلسطيني. وبمنظور الباحث في معهد "مسغاف"، فإن هذه الشهادة من نرجس، تشير إلى تنسيق عملياتي متزايد بين حزب الله وحماس حتى قبيل هجوم السابع من أكتوبر عام 2023.
وعزز مانشروف مزاعمه بهذا الخصوص، بالادعاء أنّ وثائق ضبطها الجيش الإسرائيلي في غزة خلال الحرب، كشفت عن هذا التنسيق العملياتي الذي قال إنه يؤكد "الخطر الجسيم الذي يشكله حزب الله على إسرائيل، وعلى ضرورة كبحه لأقصى حد ممكن". وهذا يعني أن الباحث الأول في معهد "مسغاف" الأمني، وجد ضالته في استنتاجاته الأربع من "وثائقي إبراهيم عقيل"، كي يثبت توصيته للمستوى الأمني الإسرائيلي، بشأن مواصلة العدوان على لبنان، بحجة عدم التراخي في ضرب الحزب وتحييد كل محاولاته لإعادة بناء قدراته التنظيمية والعسكرية.
من هو مانشروف؟
ويوسي مانشروف الذي استعرض أبرز الدروس من الفيلم الوثائقي عن إبراهيم عقيل، هو باحث إسرائيلي متخصص في شؤون إيران وحزب الله والحوثيين، ويتقن اللغتين الفارسية والعربية إلى جانب العبرية، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة حيفا في موضوع "الشبكات الشيعية العابرة للحدود الوطنية الموالية لإيران في الخليج العربي بين عامي 1963 و 1989"، ويعمل في معهد "مسغاف للأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية"، حيث يقدم تحليلات واستشارات استراتيجية حول محور المقاومة والقضايا الإقليمية المتعلقة بإيران وحزب الله واليمن.
ويُنسب له أن كتب وقدم توصيات للجهات الأمنية بشأن أهمية الخطط الإسرائيلية للحد من نفوذ حزب الله اقتصاديًا واجتماعيًا، مع التركيز على التعامل مع الخدمات الاجتماعية التي يقدمها الحزب لتثبيت حضوره المحلي.