ميشال نصر - الديار
في ظل تحولات كبرى يشهدها النظام الدولي، انعقد مؤتمر الأمم المتحدة في دورته الـ80 في نيويورك، محمّلاً بأجندات متشابكة، عكست حجم التحديات السياسية، الأمنية، والاقتصادية التي تواجه العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، في دورة لم تندرج فقط في سياقها التقليدي كمناسبة ديبلوماسية سنوية، بل تحوّلت إلى محطة استراتيجية لرسم ملامح المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل احتدام الصراع الأميركي - الروسي، وتصاعد الدور الصيني، وتنامي نفوذ القوى الإقليمية غير التقليدية.
أما على صعيد الشرق الاوسط، فقد جاءت هذه القمة في لحظة دقيقة تمر بها المنطقة، مع تصاعد التوترات في أكثر من ساحة: استمرار الحرب في غزة، الانهيار السياسي - الاقتصادي - الامني في لبنان، التغييرات العميقة في سوريا، التحديات الأمنية في العراق، دخول اليمن على خط المواجهة العسكرية في غزة، والقلق المتزايد من احتمالات عودة التصعيد حول البرنامج النووي الإيراني.
من هنا رأت مصادر ديبلوماسية ان المؤتمر شكل، فرصة للدول الكبرى لإعادة صياغة أدوات تعاملها مع الشرق الأوسط، كما شكّل للبنان والمنطقة إمّا بابًا لدعم استقرار هش، أو نقطة انطلاق لتحولات أعمق وأكثر جذرية في التموضع الجيوسياسي، وسط تشابك ملفات الأمن، الطاقة، والهجرة، مع التوازنات الدولية المتحركة.
نتائج زيارة عون
الى ذلك، شكلت اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية على هامش أعمال الدورة الـ80، وتحديداً مع وزير الخارجية الأميركي، محطة سياسية بالغة الأهمية في مسار علاقات لبنان الدولية، في لحظة إقليمية مفصلية تشهد تصاعد التوترات على مختلف الجبهات، في سياق محاولات بيروت لإعادة تثبيت موقعها على خارطة الأولويات الدولية، بعد سنوات من الانهيار المالي والانقسام السياسي والاستحقاقات الدستورية العالقة.
اوساط وزارية رأت، ان أهمية لقاء عون - روبيو، تحديداً، هي في أنه شكل تقاطعاً نادراً بين اعتبارات الدعم الأميركي للمؤسسات اللبنانية، وعلى رأسها الجيش، وبين رغبة واشنطن في ضبط التوازنات الإقليمية، وضمان عدم انزلاق لبنان إلى مربع الفوضى أو التحول إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، كما أتى اللقاء في ظل بروز مؤشرات لتفاهمات أو ترتيبات أمنية في المنطقة، قد يكون للبنان موقع حساس فيها، سواء على مستوى ترسيم الحدود أو ترتيبات الجنوب أو توازن القوى في الداخل.
وأملت الاوساط، ان تكون لقاءات رئيس الجمهورية، قد نجحت في احداث خرق وتشكيل فرصة استراتيجية أمام لبنان لإعادة تموضعه، من ضمن سياسات داخلية مسؤولة، ومواقف واضحة تحظى بتغطية وطنية جامعة، مشيرة الى ان الاسابيع والاشهر المقبلة، ستبين مدى نجاح عون في تثبيت الاعتراف الدولي بشرعية الدولة ومؤسساتها الرسمية، تحديدا بعد تصريحات براك، كما مدى نجاحه في تأمين الدعم المطلوب للجيش والقوى الامنية، خصوصا ان الرئيس عون نجح في تقديم رؤية متوازنة بشأن دور لبنان في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والعلاقة مع سوريا وإيران.
اما على صعيد تحصين الوضع الاقتصادي، فاشارت المصادر الى انه رغم الطابع السياسي - الديبلوماسي بالدرجة الأولى للقاءات التي عقدت، فإنها فتحت باب النقاش حول الدعم المباشر وغير المباشر للبنان مالياً، المشروط بالإصلاح، بخاصة في ما يخص برامج صندوق النقد الدولي أو تمويل بعض القطاعات الحيوية.
يذكر ان رئيس الجمهورية التقى امس قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الاميرال براد كوبر، وعرض معه الأوضاع الامنية في المنطقة والتطورات الاخيرة في الجنوب، وجدد مطالبته بـ»دعم الجيش اللبناني ليتمكن من القيام بمهامه في بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة حتى الحدود المعترف بها دوليا».، كما تطرق البحث الى الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة على الأراضي اللبنانية وعمل لجنة «mechanism» بهدف وقف الأعمال العدائية. وجدد الاميرال كوبر تأكيده على «دعم الجيش وفق البرنامج المعد في هذا الصدد».
الخارجية الاميركية
في هذا السياق جاء تصريح وزارة الخارجية الاميركية، الذي اعاد التأكيد على ثوابت سياسة واشنطن في مقاربة الملف اللبناني، والتي تجمع بين الدعم المشروط والتوظيف السياسي للأزمات الاقتصادية، فإعلانها «أن الولايات المتحدة ستدعم لبنان للتغلب على أزمته الاقتصادية»، حمل في طياته بعداً استراتيجياً يتجاوز المساعدة التقنية أو المالية، ويعكس رغبة أميركية واضحة في الإمساك بمفاصل التأثير داخل الدولة اللبنانية، لا سيما في ظل احتدام الصراع على أكثر من ساحة في الشرق الأوسط، على ما تقول الاوساط.
وتتابع الاوساط، بان «خطورة» هذا التصريح تكمن في إشارته الصريحة إلى أن الحكومة اللبنانية «تواصل معارضتها لسياسات إيران في المنطقة»، وهو ما يشكّل، من جهة، تغطية سياسية ضمنية لها في مواجهتها الداخلية الضمنية، ومن جهة أخرى، محاولة أميركية لإعادة تثبيت خطوط النفوذ في لبنان، ردا على كلام رئيس مجلس الشورى الايراني.
وختمت الاوساط، مبدية اعتقادها بان تصريح الخارجية، يعد جزءاً من استراتيجية أوسع، ترى في الاقتصاد مدخلاً للضغط السياسي، وفي المؤسسات اللبنانية ساحة اختبار للانقسام الإقليمي بين واشنطن وحلفائها من جهة، وطهران وحلفائها من جهة ثانية.
نتانياهو
وفي كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة، دعا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو «الحكومة اللبنانية إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل»، زاعماً أن «السلام مع لبنان سيكون ممكنا إذا واصلت الحكومة العمل على نزع سلاح حزب الله»، وقال «هدفنا ليس فقط رصد أعمال حزب الله بل منعه من خرق وقف اتفاق إطلاق النار»، مضيفاً «إذا تمكنت الحكومة اللبنانية من نزع سلاح حزب الله فإن السلام سيحل بيننا وبين لبنان».
عون والروشة
في الاثناء ورغم وجوده خارج البلاد، اشارت مصادر واكبت الاتصالات التي رافقت تحرك الروشة ليل الخميس، ان رئيس الجمهورية بقي على تواصل على مدار الساعة مع القيادة العسكرية، من مقر اقامته في نيويورك، حيث اعطى اوامر صارمة لقيادة الجيش وللاجهزة الامنية، مشددا على عدم وقوع اي صدام بين القوى المنتشرة على الارض والمشاركين في المناسبة، وعلى خط آخر مع عين التينة لمتابعة الوضع سياسيا، ما ادى الى الخروج من الازمة باقل كلفة ممكنة.
وكشفت المصادر، ان خطوة رئيس الحكومة هي من باب تسجيل الموقف، لا ترقى الى درجة الاعتكاف، او الى الاستقالة، لعلمه ان الرغبتين الدولية والاقليمية، ليستا في هذا الصدد، مشيرة الى ان الساعات المقبلة ستحمل معها حلا سياسيا، يعيد الوضع الى نصابه، في ظل التحرك الذي اطلقه رئيس مجلس النواب، والتسوية التي يعمل عليها، رغم تاكيد الرئيس سلام للمتصلين به استياءه الشديد من الهتافات والشعارات التي اطلقت وتناولته شخصيا.
«اعتكاف» سلام؟
اما في بيروت، فقد تكثفت الاتصالات السياسية بين الرؤساء ومختلف القوى لتلافي تفاقم تداعيات ما حصل الخميس على صخرة الروشة، حيث نفت مصادر وزارية الحديث عن اعتكاف الرئيس سلام، جازمة بأن موضوع الاستقالة غير وارد لديه «نهائياً»، مشددة على تمسّكه في المقابل بمحاسبة الأجهزة التي تقع عليها مسؤولية تطبيق القرارات الإدارية، معتبرة ان قراره جاء لتفرغه لمعالجة ما حصل، ولضرورة «إثبات هيبة الدولة وعدم القبول بكسرها»، مشيرة إلى أن رئيس مجلس النواب ليس بعيداً عن المساعي للوصول إلى حل، ولعدم حصول أي تصعيد سياسي يؤدي إلى المزيد من التوترات، كاشفة عن سلسلة من الاقتراحات، من بينها توقيف عدد من المخالفين، وربما بسحب ترخيص الجمعية التي تقدمت بطلب الإذن، ما يحفظ ماء وجه الجميع.
اجتماعات للمتابعة
سلام الذي ألغى كل مواعيده في السراي، أجرى من دارته في قريطم، سلسلة اتصالات لمتابعة ما حصل، حيث استقبل حشدا من النواب والشخصيات الداعمة لموقفه في منزله، وذلك قبيل اجتماعين بعيدين من الاضواء، دعا اليهما في السراي، الاول وضمّه الى وزراء العدل والدفاع والداخلية، والثاني اجتماع وزاري طارئ موسّع، خُصّصا لبحث تداعيات ما حصل.
وبعد الاجتماع الوزاري التشاوري برئاسة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، أشار نائب رئيس الحكومة طارق متري، إلى أنّ «ما جرى أمس (في الروشة) من مخالفة يدعونا إلى اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة حفاظًا على هيبة الدولة واحترامًا لقراراتها». وقال: «الحكومة حريصة على استقرار البلاد وقطع باب الفتنة وحملات الكراهية».
منسى يرد
وبعد الانتقادات التي وجّهها عدد من السياسيين والاعلاميين إلى الجيش والقوى الأمنية، صدر عن مكتب وزير الدفاع اللواء ميشال منسى بيان شدد فيه على ان «المهمة الوطنية الاساسية التي يضطلع بها الجيش هي درء الفتنة، ومنع انزلاق الوضع الى مهاوي التصادم، وردع المتطاولين على السلم الاهلي، وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية».
قلق رسمي
مشهد داخلي زاد من سوداويته، الإشارات المتتالية من أكثر من مصدر إقليمي وغربي عن «إنذار» إسرائيلي للبنان بالتدخل عسكرياً من أجل ما تسميه تل أبيب منع «حزب الله» من إعادة تكوين قدراته، وقد نقله بطريقة غير مباشرة اكثر من موفد زار بيروت أخيراً، في السر والعلن، في ظل «اختراع» اسرائيل الحجج، لشنّ عدوان جديد، يراهن عليه نتانياهو لكي تصبح أهدافه في لبنان قابلة للتحقيق، وسط تحذيرات من المرحلة الصعبة المقبلة، التي تؤشر اليها حركة الطيران الإسرائيلي والاستهدافات الأخيرة.
لاريجاني في بيروت
اشارة الى ان السفارة الايرانية في لبنان اعلنت ان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدكتور علي لاريجاني، يصل إلى لبنان اليوم، في زيارة رسمية للمشاركة في المراسم التي ستقام في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين وعدد من رفاقهما، حيث من المقرر أن يعقد لاريجاني سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين، تتناول العلاقات الثنائية بين بيروت وطهران، إضافة إلى المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
صندوق النقد
على الصعيد الاقتصادي ووسط التوقعات المتزايدة بان خريف الحركة المطلبية سيكون لهابا، شكلت زيارة وفد الصندوق الدولي الى لبنان، والتي انتهت أمس، نقطة محورية في مسار التفاوض بين لبنان والمؤسسات الدولية، في وقت تسعى الحكومة إلى تحقيق استقرار مالي وإنقاذ الاقتصاد، وسط تداخل وتشابك عوامل عديدة تعقّد الوصول إلى اتفاق نهائي، منها القوانين المتعلقة بالفجوة المالية وإعادة تنظيم القطاع المصرفي، فضلاً عن تحفظات وملاحظات فنية وسياسية تحتاج إلى معالجة دقيقة.
في هذا السياق، كشفت مصادر مواكبة للاتصالات، انه لم يتم تحقيق تقدم كبير، خصوصاً لجهة ما يتعلق بحماية حقوق المودعين وإعادة تأهيل البنية التحتية المصرفية، وآليات تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لضمان نجاح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، مشيرة الى ان ذلك يعكس بوضوح تعقيدات المرحلة الراهنة، رغم انه في المقابل يحمل أيضاً بصيص أمل في إمكان تجاوز الأزمة عبر تعاون متين بين السلطات اللبنانية والمؤسسات الدولية، مما يؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والتعافي الاقتصادي، شرط الالتزام بالإصلاحات واستكمال الاتفاقيات العالقة.
تحقيق المرفا
في تطور قضائي بارز في قضية ادعاء النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات ضد المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بتّت الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي الياس عيد وعضوية القاضيين بيار فرنسيس وربيع حسامي استئناف عويدات لقرار قاضي التحقيق حبيب رزق الله الذي طلب منه تصحيح ادعائه على البيطار، حيث جاء قرارها، وفقا للمعلومات باعادة الملف إلى النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار لإيداع رزق الله القرارات المشكو منها التي اتخذها البيطار.
اما في جديد قضية توقيف صاحب الباخرة «روسوس»، إيغور غريتشوشكن، فقد علم ان المحامية العامة التمييزية القاضية ميرنا كلاس، كلّفت بمهمة قضائية بالانتقال الى بلغاريا للتحقيق مع غريتشوشكن، واستجوابه في ضوء المعطيات المتوافرة في الملف حول الباخرة وحمولتها وبناء على لائحة الاسئلة التي اعدّها المحقق العدلي طارق البيطار لطرحها على الموقوف، في خطوة تؤشر الى عدم تسليم السلطات البلغارية الموقوف الروسي للبنان بناء على طلب الاسترداد، والاكتفاء بتقديمها مساعدة قضائية تقضي بالسماح للقضاء اللبناني باستجوابه على اراضيها، علما انه كان سبق لضباط من شعبة المعلومات ان استمعوا اليه، في مرحلة سابقة.
مداهمات بقاعا
على صعيد آخر وفي اطار الحرب المفتوحة ضد المخدرات، نفذت قوة من الجيش اللبناني، مداهمات في بلدة دار الواسعة بحثاً عن مطلوبين وضبط ممنوعات، وسط تحليق لطوافة عسكرية فوق جرود السلسلة الغربية في محيط بلدة اليمونة. وكان قتل «ح. ع. ج.» الملقب بالسبع في المداهمات، تلتها اشتباكات عنيفة في حي الشراونة في بعلبك بين المطلوبين والجيش اللبناني.
ولفتت المعلومات الى ان الجيش وجّه تعليمات لأهل المنطقة بعدم التوجه إلى طريق السهل - إيعات الشراونة وبعلبك، والاستعاضة عنها بالطريق الغربي، فيما وصلت تعزيزات عسكرية إضافية إلى بعلبك والجوار على أثر الاشتباكات، مع استمرار تحليق الطيران المسير التابع للجيش في المنطقة. وفي سياق متصل، أغلق الجيش جميع مداخل مدينة بعلبك مستخدمًا الملالات والآليات المصفحة، وسط انتشار أمني كثيف