أعلن الاتحاد اللبناني للشطرنج، في بيان رسمي، انسحاب المنتخب اللبناني للفئات العمرية من بطولة العرب، التي تستضيفها المملكة المغربية بين 20 و28 تموز 2025. جاء هذا القرار بعدما رفضت السلطات المغربية منح تأشيرات دخول لعشرة أطفال لبنانيين من أصل ستة عشر، من أعضاء البعثة اللبنانية المقرر مشاركتها في البطولة. واللافت أن اللاعبين المعنيين يتوزّعون على مختلف المناطق والطوائف اللبنانية، وجميعهم من أبطال لبنان في الفئات العمرية.
وبحسب الاتحاد، فإن الرفض جاء من دون أي تبرير رسمي، رغم سلسلة الاتصالات التي أجريت مع عدد من الجهات المعنية. أما التوضيحات غير الرسمية، فاختصرت الموقف بجملة تسرّبت إلى مسامع الأهالي "اللي ما أخذوا الفيزا بيعرفوا السبب".
لا سياحة.. بل فوز وطني
ويؤكد عضو الاتحاد اللبناني للشطرنج، سيد شامية، الذي بدا غاضبًا وحزينًا في الوقت عينه، لـ"المدن" إن قرار الانسحاب من بطولة العرب لم يكن تراجعًا، بل كان موقفًا. "الانسحاب هو تسجيل موقف". ويوضح: "حتى ولو بدا الأمر ظالماً لبعض الذين حصلوا على التأشيرة، لكن الاتحاد وحدة متكاملة".
ويقول شامية: "لم نكن ذاهبين للسياحة، بل لتحقيق فوز وطني". ويزيد: "أعتقد أن رفض التأشيرات مرتبط بحسابات ديبلوماسية ورسالة سياسية للدولة اللبنانية ولا علاقة لها بالرياضة".
هؤلاء الأطفال، من مختلف الطوائف والمناطق اللبنانية، ينتظرون هذه البطولة عامًا بعد عام، ليس فقط للمنافسة، بل لتمثيل وطنهم في محفل إقليمي، بحسب شامية. وتتراوح أعمارهم بين 8 و20 عامًا، وفق التالي طفل وطفلة من مواليد 2017، طفلة من مواليد 2016، طفلان من مواليد 2012، طفلان من مواليد 2014، طفلة من مواليد 2009، وشاب وشابة في العشرين والتاسعة عشرة.
أطفال في مرمى السياسة؟
ليس الظلم وحده ما يشعر به أهالي اللاعبين اللبنانيين الذين مُنعوا من دخول المغرب، بل أيضًا العجز. عائلات أنفقت مدّخراتها على حلم أن يُشارك طفلها في بطولة رياضية عربية، ثم وجدت نفسها أمام حدود مغلقة، ورسائل صامتة، وكلمات جارحة.
محمد قبيسي، والد اللاعبة جيسيكا، بطلة لبنان تحت 8 سنوات ثلاث مرات، كان ينتظر الرحلة معها بفخر وقلق. لكن التأشيرة لم تأتِ. يقول لـ"المدن": "أولاد صغار، لا يُهددون الأمن القومي المغربي". في كلامه شيء من التهكم، وشيء من الألم. ثم يضيف: "موقف الاتحاد اللبناني كان رائعًا ووطنيًا. حاولنا التواصل مع كل من يمكن أن يساعد من المعنيين، لكن المسألة لم تُحل".
زينب زعيتر، والدة مانيسا قاروط، الحائزة على المركز الثالث في بطولة لبنان، وشقيقها الحرّ، كلاهما رُفضت تأشيرتهما. وتعبر بعضب: "دفعت كل ما أملك تحضيرًا للبطولة. وأولادي حزنوا ومرضوا من الزعل. كانوا موعودين بالمشاركة".
علي الجاويش، والد توأم حصلا على التأشيرة، لكنه لم يتمكن من استرداد كلفة الحجوزات أو تعديلها بعد انسحاب البعثة. وجد نفسه مضطرًا إلى السفر وعائلته، كسائح، ليتحمّل تكاليف باهظة من دون مشاركة في البطولة. "لم يكن خيارًا، بل خسارة مضاعفة"، يقول.
أما ديكران زيتجيان، نائب رئيس الاتحاد اللبناني للشطرنج ووالد سركيس، بطل لبنان تحت 8 سنوات، فكان من بين الذين تلقّوا موافقة على التأشيرة، لكن فرحته لم تكتمل. تعاطى زيتجيان مع المسألة بنبرة واقعية يغلّفها شيء من الخيبة، قائلاً: "مشاكل التأشيرة في معظم الدول العربية يجب أن نتقبّلها. لكن هذه بطولة رياضية للفئات العمرية. إذا لديهم مشكلة معيّنة، فليعطوا التأشيرة للصغار، ولا يعطوها للأهل".
صمت رسمي... وتراكم توترات
حاولت "المدن" التواصل مع السفارة المغربية في بيروت، كما مع السفير المغربي، من دون أن تتلقّى أي رد. ووفق مصادر في وزارة الخارجية اللبنانية، فإن لا معلومات رسمية متوافرة بشأن سبب رفض التأشيرات، مشيرة إلى أن الموضوع "لا يتعلق بلبنان، بل بقرار سيادي مغربي بحت". ولفتت المصادر إلى أن السلطات المغربية تُعرف بتشدّدها في منح التأشيرات، ولا تُصدرها إلا في حالات محددة واستثنائية، وغالبًا من دون أي تبرير واضح، باعتبار أن كل دولة تحتفظ بحقها الكامل في تقرير من يدخل أراضيها.
لكن خلف هذا الصمت الرسمي، يطفو إلى السطح مناخ سياسي متوتر بين بيروت والرباط، ليس جديدًا بالكامل. فقبل سنوات، بدأت الخلافات تتصاعد مع اتهام المغرب لحزب الله بالتورط في دعم جبهة البوليساريو، في سياق أزمة دبلوماسية بلغت ذروتها عام 2018، حين سلّمت السلطات المغربية رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، المقرّب من حزب الله، إلى الولايات المتحدة، بموجب مذكرة توقيف صادرة عن الإنتربول.
وفي نيسان الماضي، عاد التوتر إلى التداول الإعلامي، إثر انتشار مقطع فيديو لسيدة مغربية تتهم فيه وزير الخارجية اللبناني الحالي، يوسف رجي، بالتحرش بها خلال عمله كقائم بالأعمال في السفارة اللبنانية في الرباط عام 2014. الاتهام الذي نفاه رجي جملة وتفصيلًا، مؤكدًا أن القضية قديمة، وخالية من أي أساس قانوني أو واقعي.
وفي خلفية هذه التوترات المتراكمة، لا يمكن إغفال أن المغرب كانت من أوائل الدول التي وقّعت اتفاق التطبيع مع إسرائيل في إطار "اتفاقيات أبراهام" عام 2020، فيما يرزح لبنان تحت ضغوط إقليمية متزايدة. ومن هنا، يرى كثيرون أن ما جرى مع بعثة الشطرنج اللبنانية لا يُقرأ إلا في سياق أوسع.
بطولة ضائعة... ومشهد أبعد من الشطرنج
بين التأشيرات المرفوضة والملفات العالقة، يتشكّل مشهد ضبابي لا يمكن عزله عن السياق السياسي الأوسع. إذ يبدو أن الرياضة، في هذه الحالة، لم تكن بمنأى عن ارتدادات التوترات الدبلوماسية التي تراكمت بصمت، وطفحت فجأة على شكل فيزا مفقودة وبطولة ضائعة.
لم يكن لبنان يبحث عن أكثر من فرصة ليرفع اسمه بهدوء، على رقعة شطرنج، في بطولة عربية. لكنّه خرج من اللعبة من دون أن يُمنح حتى حق الجلوس إلى الطاولة. أطفاله، الذين تمرّنوا على الدقة والتفكير، لا على الاصطفاف والانقسام، وجدوا أنفسهم أمام خسارة لا تفسير لها، ولا قانون ينظّمها. في لحظة، تحوّلت الرياضة من مساحة للمنافسة إلى مساحة للاستثناء، ومن حق مكتسب إلى امتياز مشروط بالحسابات