بعد جولة برّاك... آب شهر الترقّب الحذر!

غاصب المختار- اللواء

اكتنف الغموض النتائج الفعلية لجولة الموفد الأميركي توماس برّاك، بسبب تناقض التسريبات عن الطروحات الأميركية واللبنانية، برغم اللباقة الدبلوماسية لبرّاك والابتسامات العريضة المغلّفة ضمناً بنوعٍ من التحذيرات من ان إسرائيل يمكن أن تقوم بكل شيء في لبنان، وان أميركا لا يمكنها أن تضغط على إسرائيل او تملي عليها ما يجب أن تقوم به.

هذا الموقف يحتمل تفسيراً واحداً مفاده انه «ما لم يلتزم لبنان بما تطلبه إسرائيل عبر الوسيط الأميركي فإن التصعيد الإسرائيلي وارد في أي لحظة، وان لبنان سيكون متروكاً لمصيره»، على الرغم من نفي برّاك في مقابلة تلفزيونيّة احتمال شنّ إسرائيل عدواناً شاملاً على لبنان. لكن حسب كلام برّاك «فإن إسرائيل هي التي تقرر شكل الرد والتصعيد». وتردّد انه أبلغ بعض من التقاهم «ان مهلة سحب السلاح من حزب الله تحدّدها إسرائيل وليس الولايات المتحدة، وأن عدم قيام الحكومة اللبنانية بخطوات ملموسة في هذا المجال يعني استمرار الوضع الحالي الذي يتضمن غارات في الجنوب وطائرات مسيَّرة فوق بيروت». وفي بعض المعلومات ان برّاك ألمح أمام بعض زواره الى «إستخدام القوّة الإسرائيليّة لتحريك ملف تسليم سلاح الحزب».

هذه الانطباعات والأجواء روّج لها برّاك نفسه من بكركي بعد لقاء البطريرك بشارة الراعي قبيل مغادرته لبنان بقوله «اني لا أعلم كيف ستكون النهاية»، مع انه كان قد روّج لأجواء إيجابية وبنّاءة بعد لقاء الرئيس نبيه بري وتسلّمه مقترحات جديدة - قديمة منه ستكون قيد الدرس قد تقبلها إسرائيل وقد ترفضها، ما يفتح الباب أمام الاحتمالات الصعبة، ولهذا سيبقى لبنان في قاعة الانتظار الأميركية حتى وصول الرد على مقترحات بري وعلى الرد الرسمي على المقترحات الأميركية الذي تسلّمه برّاك من رئيس الجمهورية.

والغريب أيضا ان برّاك طلب من لبنان أن يكون نسخة عن سوريا في تلبية المطالب الأميركية والإسرائيلية، سواء بإجراء ترتيبات أمنية تريح كيان الاحتلال ولا تضمن سلامة الأراضي اللبنانية ولا حق الدفاع المشروع عن النفس، أو بالتوجه نحو تطبيع العلاقات، وهو يدرك ان ما يطلبه صعب التحقيق، فلبنان ليس سوريا، وتركيبته المتعددة تفرض دوماً التوافق الداخلي على كل كبيرة وصغيرة مهما كانت طبيعتها، سياسية أو أمنية أو إدارية أو إجرائية. ولعلّه يدرك أيضاً ان ما يطلبه من سوريا يتعذّر تنفيذه حاليا بسبب الاضطرابات والانقسامات فيها وبخاصة لجهة الدور الإسرائيلي الخطير في جنوب سوريا، الذي يشبه الدور الإسرائيلي في لبنان بتخريب كل الحلول وضرب الاستقرار وتوسيع احتلال الأراضي.

وعلى هذا سيكون شهر آب المقبل شهر ترقّب حذر للتوجهات الأميركية والإسرائيلية السياسية والأمنية - العسكرية في التعاطي مع لبنان، لا سيما مع تفعيل الاتصالات التي تراجعت في الأمم المتحدة مؤخرا حول مشروع التجديد لقوات اليونيفيل في الجنوب، بإنتظار أن يتسلّم مندوب لبنان الجديد السفير أحمد عرفة مطلع آب مهامه من سلفه السفير هادي هاشم، ويباشر اتصالاته مع مندوبي الدول المعنية في مجلس الأمن الدولي. علماً ان الإدارة الأميركية تستخدم أيضا موضوع التجديد لليونيفيل كمصدر ابتزاز وضغط سياسي وأمني على لبنان، لجهة وقف تمويلها من جهة، والسعي من جهة أخرى لتعديل وتوسيع مهامها وقواعد اشتباكها، وإلّا إستخدام حق النقض لقرار تجديد الولاية.

ويبدو ان رئيس الحكومة نواف سلام حاول خلال زيارته باريس ولقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحريك المياه الراكدة حول موضوع التجديد لليونيفيل كون فرنسا حاملة قلم صياغة مشروع قرار التجديد، ولها تأثيرها في مجلس الأمن - بإستثناء التأثير على قرار الفيتو الأميركي لو حصل - وسيحاول استجلاء المسعى الفرنسي لتخفيف حدّة الطروحات الأميركية - الإسرائيلية من موضوع حصرية السلاح والتهدئة في الجنوب وإعادة الاعمار ودعم لبنان اقتصادياً.

لكن حسب التجارب فإن الإدارة الأميركية لا تقيم وزنا كبيرا للموقف الفرنسي، وقد تأخذ ببعض النصائح الفرنسية بعين الاعتبار، لكنها في النهاية تتخذ القرار الذي يناسب مصالحها وأجندتها في المنطقة ووفق مصالح إسرائيل. وهذا الأمر يستلزم توسيع حلقة اتصالات لبنان مع الدول المعنية في مجلس الأمن لاستقطاب أكبر دعم دولي يمكن أن يكون ضاغطاً على الإدارة الأميركية لمنعها من استخدام حق النقض - الفيتو وتعطيل التجديد للقوات الدولية. لذلك يبقى الرهان قائما على المسعى الفرنسي لتدوير الزوايا الأميركية وتمرير المرحلة بأكبر قدر من الهدوء لا التصعيد.

  • A-
  • A+

© Lebanese Citizens News. All rights reserved.