-->

خرق قضائي في ملف المرفأ

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

شهد ملف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت تطوراً لافتاً أمس، مع مثول القاضيين كارلا شواح وجاد معلوف أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، في خطوة اعتُبرت خرقاً للأصول القانونية المعتمدة في ملاحقة القضاة، وأثارت موجة من الجدل داخل الأوساط القضائية والسياسية.

وبحسب معلومات خاصة بـ “نداء الوطن”، فإن تبليغ القاضيين بموعد جلسة الاستجواب شابته مخالفات إجرائية، إذ تم عبر النيابة العامة التمييزية بدلاً من رئاسة مجلس القضاء الأعلى، ولم يتضمّن تفاصيل الجرم المشتبه به أو المواد القانونية التي استند إليها البيطار. كما لم تُراعَ المهلة القانونية الفاصلة بين التبليغ والجلسة، والتي يجب أن لا تقل عن ثلاثة أيام.

ورغم الطابع الخلافي الذي رافق الاستدعاءات، استجاب القاضي جاد معلوف لحضور الجلسة برفقة وكيله القانوني المحامي زياد مكنى، واستمر استجوابه نحو أربع ساعات، ما أدى إلى تأجيل جلسة القاضية شواح، التي انتظرت أمام مكتب البيطار نحو خمسين دقيقة قبل أن تمثل بدورها أمامه.

وبخلاف جلسة معلوف، كانت جلسة شواح مقتضبة، لم تستغرق أكثر من 15 دقيقة حيث علمت “نداء الوطن” أن القاضية شواح اكتفت بتلاوة المخالفات القانونية التي ارتكبها البيطار في استدعائها، واعتبرتها بمثابة إجراءات وجواب قانوني كافٍ على أسئلته، مؤكدة احترامها للقانون ومؤسسات الدولة الكفيلة بالدفاع عنها.

مصادر قضائية واكبت الجلسات تضامناً، أكدت لـ “نداء الوطن” أن القاضيين مثُلا أمام البيطار احتراماً لأهالي الضحايا وللمرفق القضائي، وليس إقراراً بشرعية الإجراءات المتّبعة. وأشارت إلى أن أي قاضٍ كان سيتولى قضاء الأمور المستعجلة كان سيجد نفسه في موقع مشابه.

وفي ما يتعلق بملف القاضية شواح، تبيّن أنها نظرت في طلب وحيد يتعلق ببيع مادة نيترات الأمونيوم المخزنة في العنبر 12، بناءً على مراسلة رسمية من قيادة الجيش آنذاك، خلت من أي إشارة إلى خطورة المادة. وهو ما اعتُبر خارجاً عن نطاق اختصاص قضاء العجلة، وغير كافٍ للإدعاء عليها.

أما وكيلها، المحامي شربل شواح، فأكد أن القاضية شواح قررت المثول احتراماً لأهالي الضحايا وللمرفق القضائي الذي تنتمي إليه على الرغم من تحفظها على شرعية الجهة المحققة وآلية التبليغ، ولتؤكد براءتها من أي تُهَم قد وُجّهت إليها، مشدداً على أنها لم تكن معنيّة بالانفجار، أو بأي إجراء كان من المفترض اتخاذه، إذ إنّ كل ذلك يخرج عن اختصاص قضاء العجلة، متمنياً أن يُفضي التحقيق إلى تحديد المسؤول الفعلي عن إدخال تلك المواد وحفظها وتفجيرها.


من جانبه، امتنع المحامي زياد مكنى، وكيل القاضي جاد معلوف، عن الخوض في تفاصيل وحيثيات مثولهم أمام المحقق العدلي، معتبراً الأمر ضمن واجب التحفظ.

وفي سياق متصل، تتواصل المساعي في أروقة العدلية لضمان مثول المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري أمام المحقق العدلي الأسبوع المقبل. إلا أن مصادر متابعة رجّحت عدم مثوله، أسوة بالنائب العام التمييزي السابق القاضي المتقاعد غسان عويدات، بسبب اعتراضهما على صلاحية البيطار، كونه قاضي تحقيق أقل درجة، وغير معيّن من قبل الرئيس الأول لمحاكم التمييز للتحقيق معهما.

وأكدت المصادر أن محاكمة القاضيين شواح ومعلوف يجب أن تتم أمام محكمة التمييز، فيما ينبغي أن تتم محاكمة القاضيين عويدات وخوري أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وليس أمام المجلس العدلي، ما يضع علامات استفهام قانونية كبرى حول مجمل مسار التحقيق.

وتتجه الأنظار بعد انتهاء استجوابات القضاة الأربعة إلى استدعاء النائب غازي زعيتر، فور انتهاء العقد العادي لمجلس النواب، باعتباره آخر المدعى عليهم في القضية. وبعدها إلى ما ستخلص إليه النيابة العامة التمييزية في مطالعتها، تمهيداً لإعادة الملف إلى البيطار لإصدار القرار الاتهامي.

وتخشى أوساط متابعة من أن يؤدي فتح عقد استثنائي لمجلس النواب دون تبليغ زعيتر، إلى تعطيل هذا المسار. وتبرز أهمية استجوابه كونه كان وزير الأشغال العامة والنقل خلال تخزين النيترات في المرفأ، ويُشتبه بتقصيره في اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة للتعامل معها وإعادة تصديرها.

أما رهان المتابعين، فيبقى على قرب صدور القرار الاتهامي وكشف الحقائق التي توصّل إليها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في تاريخ القضاء اللبناني الحديث.

أحدث أقدم