ياسين جابر: العودة الحكوميّة بعد العزوف البرلماني
قبل نحو سنتين، خرج ياسين جابر من المشهد البرلماني اللبناني، بعد أن عزف عن الترشّح لأسباب ربطها بغياب "أي رؤية للخروج من الأزمة". بذلك القرار، طوى جابر صفحة عمله النيابي، بعد نحو ربع قرن من العمل في لجنة المال والموازنة النيابيّة، ومن تمثيل كتلة التنمية والتحرير في المجلس. اليوم، يعود جابر إلى المشهد السياسي، حاملًا "التوقيع الثالث" الذي دار حوله الكثير من السجال في بدايات مفاوضات تشكيل الحكومة، ليستقرّ عليه الأمر وزيرًا للماليّة. لم يقدّم جابر بعد رؤيته لوزارة، ولا قدّم للرأي العام دوافع عودته، بعد يأسه من غياب الرؤية الإصلاحيّة. غير أنّ الأكيد، هو أنّ جابر سيكون أمام تحديات كبيرة، على أعتاب مرحلة إعداد خطّة إعادة الإعمار وتحديث خطّة التعافي المالي.
قبل عودته إلى لبنان في التسعينات، كان جابر رجل أعمال مقيم في لندن. دخل المشهد اللبناني عام 1995 وزيرًا للاقتصاد والتجارة في حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري، وظلّ في منصبه حتّى خروج الحريري من الحكم عام 1998. منذ تلك اللحظة، انتقل جابر للتركيز على عمله النيابي، في إطار لجنة المال والموازنة. لم ينقطع تركيزه على العمل في تلك اللجنة إلا لفترة محدودة بين عامي 2004 و2005، حين جرى اختياره وزيرًا للأشغال العامّة والنقل، في حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي. وهذه المرّة، خرج جابر من الحكومة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يؤخذ على جابر اشتراكه عام 2020 ضمن لجنة تقصّي الحقائق في توجيه الضربة القاضية لخطّة الحكومة الماليّة، التي جرى الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، وبمعاونة شركة لازارد. كما تؤخذ عليه مواقفه الحادّة ضد تلك الخطّة، والمقابلات التلفزيونيّة التي برّر فيها تعطيل المسارات المتفق عليها مع صندوق النقد. وعلى هذا الأساس، ثمّة من طرح اليوم أسئلة حول التوجّهات التي سيعتمدها في عمله في وزارة الماليّة، وخصوصًا من ناحية الإصلاحات التي جرى تعطيلها منذ بداية الأزمة. المشككون في دور جابر، ضمن الحكومة الجديدة، يطرحون كذلك أسئلة حول الهامش الذي يملكه للتعامل مع الملفّات الماليّة، بعيدًا عن تأثير "مرجعيته السياسيّة".
في المقابل، جرى تسويق إسم جابر من قبل داعميه كوجه قابل لفتح العلاقات مع الدول الغربيّة، بناءً على تجربته الطويلة في مجموعات الصداقة التي جمعت لبنان ببريطانيا وأوروبا واليابان وغيرها. هذه الأدوار، هي التي جرى الاستناد عليها لتبرير اعتماد إسمه وزيراً للماليّة، بعد كل السجال حول إسناد المركز لحركة أمل مجددًا. في كل مقابلاته، يطرح جابر نفسه كشخصيّة ذات باع طويل في العمل على الملفّات الإصلاحيّة، ضمن المجلس النيابي، غير أنّه يبرّر تعثّر جهوده بعدم تطبيق التشريعات التي أقرّها البرلمان.
سيكون أمام جابر جملة من الاستحقاقات المقبلة. فتوقيعه مطلوب أولًا لاقتراح إسم لحاكم مصرف لبنان المقبل، ومن ثم نوّاب الحاكم بعد انتهاء ولاية الحكّام الحاليين. وموقع جابر سيجعله عضوًا في الفريق الحكومي الذي سيعيد النظر بخطّة التعافي المالي، في ضوء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ودوره أساسي في صياغة خطّة إعادة الإعمار، التي يقوم لبنان حاليًا بالتفاوض عليها مع البنك الدولي.
فهل سيملك جابر بالفعل هامشًا للعمل على هذه الملفّات بعيدًا عن التأثير السياسي؟ هذا ما ستكشفه المرحلة المقبلة.