للعام الخامس، يعيش التعليم تحدّيات الأعباء المالية وعدم القدرة على الوصول إلى الجودة، بفعل الأزمة الاقتصادية والعدوان الإسرائيلي. فقد أظهر استطلاع أجراه، أخيراً، الباحث في مركز الدراسات اللبنانية، محمد حمود أن النزوح من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية سيكون، هذا العام، مرتفعاً نسبياً مقارنة بالنزوح المعاكس، إذ قال 30 في المئة من العيّنة المستطلَعة (2075 وليّ أمر من المحافظات الثماني) إنهم نقلوا أطفالهم إلى المدرسة الرسمية، والسبب الأساس «عدم قدرتهم على تحمل الأقساط في المدرسة الخاصة»، في مقابل 4 في المئة فقط نقلوا أبناءهم إلى المدرسة الخاصة «بسبب تدهور جودة التعليم الرسمي».
هذا النزوح المتوقع هذا العام، بخلاف الأعوام السابقة التي شهدت «هروباً» من التعليم الرسمي بسبب الإضرابات، تفسّره الزيادات المتواصلة على الأقساط، والتي رفعت المتوسط السنوي لقسط الطفل الواحد في المدارس الخاصة من 3620 دولاراً العام الماضي إلى 3964 دولاراً هذا العام، بزيادة 344 دولاراً تتضمن كلفة النقل. في المقابل، بلغ متوسط دخل الأسرة، بحسب استطلاع هذا العام، 855 دولاراً، أي بتحسن ملحوظ مقارنة بـ 463 دولاراً العام الماضي، لكنه لا يزال غير كافٍ لتغطية تكاليف المعيشة والتعليم المرتفعة والمتزايدة سنوياَ.
السبب الاقتصادي ليس السبب الوحيد لانعدام الاستقرار التعليمي. ففي المناطق المتأثرة بالعدوان الإسرائيلي، أشار 24 في المئة من الأهالي المستطلَعين إلى أنهم نزحوا من مناطقهم نتيجة العدوان المستمر، فيما أفاد 60 في المئة بأن العدوان كان له تأثير سلبي على تعليم أطفالهم. ففي العام الدراسي الماضي (2023 ـ 2024) اضطرّ 10 في المئة من الأهالي إلى نقل أطفالهم إلى مدرسة أخرى بسبب العدوان، بينما أفاد 14 في المئة عن إغلاق مدرسة أطفالهم وانتقالها إلى التعلم عن بعد. ولفت 27 في المئة إلى أن مدرسة أطفالهم أغلقت لفترة وجيزة ثم استأنفت الدراسة، مَا تسبّب في المزيد من المعوّقات التعليمية. وعلاوة على ذلك، يعتقد ما يقرب من ثلث الأهالي (29 في المئة) أن العدوان المستمر أثّر سلباً على الأداء الأكاديمي لأطفالهم.
وسط هذه التحديات، بدا 23 في المئة فقط من الأهل واثقين بأن أطفالهم سيتمكّنون من مواصلة تعليمهم، بينما 77 في المئة قلقون على مستقبل أطفالهم الدراسي. وأقرّ 10 في المئة من الأهالي بأنّ لديهم طفلاً واحداً على الأقل تحت سنّ 18 عاماً تسرّب من المدرسة، غالبيّتهم من الذكور (67 في المئة).
تجدر الإشارة إلى أنّ لدى معظم المشاركين في الاستطلاع (88 في المئة) أطفالاً مسجّلين في المدارس الخاصة، مقارنة بـ 6 في المئة في المدارس الرسمية و6 في المئة في المدارس الخاصة المجانية. ويشير حمود إلى أنه يواجه صعوبات في إشراك أهالي التلامذة في هذا النوع من الاستطلاعات، إذ هناك حذر ملحوظ من جانبهم. ومع ذلك، يشدّد على أهمّية أن تكون هناك جهات رقابية تضبط الأقساط لضمان توافقها مع متوسط دخل الأسرة ومنع زيادات الأسعار غير المبررة، وأن يترافق ذلك مع الحفاظ على مجانية التعليم الرسمي لحفظ هذا الحق للفئات الأكثر فقراً على وجه الخصوص. ومن الضروري، كما قال، التدخل الاستراتيجي لتلبية الاحتياجات التعليمية للطلاب في المناطق المتأثرة بالعدوان الإسرائيلي لمواصلة تعليمهم من دون مزيد من الانقطاع.