لم يمنع العنوان الوداعي لجولة مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على المسؤولين، من حمل اكثر من رسالة في ظل هذه المرحلة الدقيقة على البلاد.
يمكن القول إن الرسائل كافة التي حملها المبعوث الأوروبي تتقاطع في اهدافها لبنانيا، ولذلك لا يمكن الحديث عن دعوته إلى ضبط الأوضاع الموجهة في شكل غير مباشر إلى "حزب الله" ومن هذه الدعوة نحو تهدئة الوضع اقليميا، عن مهمة اخرى تفوقها اهمية لبنانيا تتعلق بهاجس اوروبي حالي وسابق، حول استقرار لبنان انطلاقا من حل معضلة كونه جمهورية بلا رأس.
يتعلق الأمر هنا باللبنانيين الذين عليهم اجتراح الحل لتسوية رئاسية بات من المستحيل على بلدهم الانطلاق للخروج من واقعه الكارثي من دونها، لكنه ايضا يتعلق باهتمام دولي عامة، اوروبي فاتيكاني خاصة، بطمأنة المسيحيين الذين زادهم فراغ الرئاسة ودوران عجلة البلاد بلا الرئيس المسيحي الماروني، إحباطا.
لا يمكن للأوروبيين البوح بكل شيء علنا، حتى مع مقابليهم من المسؤولين اللبنانيين الذين يعلمون هذه الحقيقة ويتغاضون عنها، ويستعيض الأوروبيون عن ذلك بوسائلهم الخاصة ورسائلهم غير المباشرة وسلوكهم المباشر بدوره، للتأكيد على أن لبنان ليس متروكا ومصير المسيحيين فيه ليس على هامش الاهتمام الخارجي وان كان ليس في صدارة اولوياته، وهذا حديث آخر.
ما سمعه المبعوث الأوروبي من المسؤولين اللبنانيين لم يشف غليله (هو لم يتوقع ذلك أصلا)، لكن الهدف كان ايصال رسالة الاهتمام الدولي بلبنان وباستقراره الذي يتعلق اولا باطمئنان طوائفه ورغبتهم الحقيقية بحفظ وحدته التي باتت في الفترات الاخيرة مطروحة على طاولة البحث حول الصيغة الجديدة التي يمكن للبنانيين العيش فيها مستقبلا!
المرجح ان لا تلاقي كلمات بوريل صداها مستقبلا، فهو ليس الاول ولن يكون الاخير الذي يأتي إلى لبنان طارحا على اللبنانيين مسؤولياتهم. لكن ان ينصت المسؤولون الى هذا الصوت أمر، وان لا يعوا لمخاطر ما تحمله المرحلة من تحولات يجب على لبنان مواكبتها، أمر آخر تماما.
في كل الأحوال لم تأت زيارة بوريل معزولة عن سابقاتها ولن تكون كذلك بالنسبة إلى لاحقاتها من زيارات دولية، خاصة وان المؤشرات تدل على حالة من العجز في إنهاء الحرب على غزة التي ربط لبنان نفسه فيها.
وبذلك سيكون علينا انتظار استحقاق الانتخابات الاميركية اولا بعد اقل من شهرين، ثم نتائجه التي لن تظهر قبل العام المقبل، لتبيان مدى أثرها على الواقع الاسرائيلي الداخلي.
اذ لا قوة اليوم قادرة على كبح جماح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو واجباره على انهاء عدوانه على غزة التي ترتبط معها الضفة الغربية وجبهتي لبنان واليمن. وفي حال عدم القدرة على ذلك من قبل الخارج او من قبل خصوم اليمين داخليا عبر انتخابات داخلية، سيكون علينا الانتظار حتى الانتخابات المقبلة.
فليس هناك ما هو مبشر على صعيد المفاوضات إذ سرعان ما يطيح التعنت الإسرائيلي بالأمل الضئيل الذي ينمو مع كل محادثات او تصريح. فقد قبلت حركة "حماس" بالمبادرة التي قدمها الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه وصادق عليها مجلس الامن من دون شروط، أمر قد يفتح الباب أمام مقترح اميركي جديد اكثر شجاعة يعزل حكومة التطرف الإسرائيلي أكثر فأكثر. في الوقت الذي باتت فيه الحركة على علم بأن واقع غزة بعد الحرب لن يكون مشابها لما قبلها، ما سيساعد في الضغط دوليا وعربيا على إسرائيل على صعيد اليوم التالي فلسطينيا الذي سيواكب فترة التهدئة في الإقليم وما بعدها على أساس تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.