-->

أنقذونا من جنون نتنياهو!!

كتب صلاح سلام رئيس تحرير اللواء:

أيام أخرى من الإنتظار والترقب لنتائج مفاوضات الهدنة في غزة، بمواجهة حالة الغليان والتوتر السائدة في المنطقة، على إيقاع التصعيد الإسرائيلي المستمر والمتعمّد، سواء في قطاع غزة، أو على الجبهة مع لبنان. 

حتى الآن، يبدو المشهد وكأن الجالسين حول طاولة المفاوضات في وادٍ، والمتحاربين في الميدان في واد آخر. المطروح على الطاولة لا يُحقق أهداف عشرة أشهر من القتال، والمجابهات في الميدان غير قادرة على تلبية متطلبات المفاوضات ووقف النار فوراً، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة.


الحرب المدمرة في غزة تحوّلت إلى معركة شخصية بين نتنياهو والسنوار، على قاعدة من يستطيع إلغاء الآخر، سياسياً أو جسدياً لا فرق، فالنتيجة واحدة، وتقضي ببقاء الطرف المنتصر على المسرح، وتواري الطرف الخاسر في غياهب التاريخ، أو دهاليز المحاكمات والسجون بالنسبة لنتنياهو. 

والإشكالية الأبرز تكمن في عدم قدرة الوسطاء على ممارسة الضغوط الكافية على طرفي المجابهة، وفرض قرار وقف إطلاق النار، والإنتقال إلى المرحلة السياسية من هذه الحرب المفتوحة على أسوأ الإحتمالات. تأثير الولايات المتحدة على الجانب الإسرائيلي يتراجع يوماً بعد يوم بسبب إحتدام المعركة الرئاسية، وذلك رغم الدعم غير المحدود الذي تقدمه الإدارة الحالية لتل أبيب. ويمكن القول أن نفوذ قطر على قيادة حماس تراجع بعد إنتقال القيادة إلى يحيى السنوار، الموجود في قلب المعركة في غزة، وبعيداً عن إجتماعات التواصل بين الدوحة وحماس، التي كانت ناشطة طوال فترة رئاسة الشهيد إسماعيل هنيّة. 

المفارقة الأخرى تظهر بوضوح بين الفارق الكبير لما يسعى له الوسطاء في المفاوضات، ولما يصبو إليه المتحاربون على الأرض. 

الولايات المتحدة ومصر وقطر يبذلون الجهود الجبارة لإخماد نيران الحرب في غزة، تجنباً لإمتدادها إلى أطراف أخرى في الإقليم، وإشعال حرب شاملة في المنطقة، لا أحد يستطيع التكهن بتفاصيلها ونتائجها، بعد التلويح بإمكانية إستخدام السلاح النووي في المفاصل الحاسمة من المعركة. 

وغني عن القول أن نتنياهو يسعى لتوريط وشنطن بمواجهة مباشرة مع طهران، علَّه يستطيع توجيه ضربة قاسمة للمشروع النووي الإيراني. في حين أعربت الإدارة الأميركية مراراً، عن حرصها على عدم تطور الصراع الحالي إلى حرب مفتوحة في المنطقة، رغم تأكيدها الإلتزام الكامل بالدفاع عن إسرائيل. وهذا ما يشجع نتنياهو على المضي قدماً في التصعيد، وعدم التسليم بالقرار الأممي بوقف النار في غزة. 

أما الجانب الفلسطيني فلم يعد عنده ما يخاف على خسارته، بعد التدمير الهائل الذي لحق بمدن القطاع، وسقوط ١٥٠ ألفاً من المدنيين بين شهيد وجريح، وتخريب البنى التحتية، وتحويل العديد من المربعات إلى مناطق غير قابلة للعيش الآدمي. في حين إستطاع بصموده تغيير المشهد العالمي من القضية الفلسطينية، وتعرية الإعتداءات والمجازر الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي، وتقليب مواقف العديد من الدول، حكومات وشعوباً، من الدولة العبرية، ووقوفها إلى جانب مظلومية الشعب الفلسطيني، وتحويل إسرائيل إلى «دولة منبوذة» في العالم، حسب وصف الإعلام الإسرائيلي نفسه، وإعادة إحياء مشروع الدولتين، الذي كان في عالم النسيان، في مرحلة «إتفاقيات إبراهام».

ليس من السهل على الوسطاء معالجة هذه الفجوات الإستراتيجية بين الطرفين المتصارعين في الميدان، وكل طرف يخوض معركة وجودية ومصيرية حاسمة بالنسبة له، سواء على الصعيد العام في الدفاع عن قضيته، أو على الصعيد الشخصي من باب الحفاظ على زعامته ومستقبله السياسي. 

والإعتبارات التي تتحكم بمصير الحرب في غزة، تتشابه إلى حد بعيد مع الحرب المتصاعدة في الجنوب اللبناني، والتي تتوسع جغرافيتها وتزداد عنفاً، ويعمل نتنياهو لتحويلها إلى عدوان شامل على لبنان، منذ الأشهر الأولى لإندلاع الحرب في غزة. 


تمهُّل حزب الله في الرد على إغتيال أبرز قادته العسكريين فؤاد شكر تجنباً لعدم التشويش على مفاوضات الدوحة، لم يردع التصعيد الإسرائيلي المتعمد خارج قواعد الإشتباك، في خطوات مكشوفة بتفجير الوضع الحدودي، وشن عدوان واسع على لبنان، يستهدف ما تبقَّى من بنية تحتية، ومرافق حيوية. 

والمشكلة أن الدولة في لبنان في غرفة الإنعاش، وعاجزة عن إدارة الأزمات المتراكمة، وآخرها فضيحة توقف معامل الكهرباء وعودة العتمة، وتكتفي بإجترار التصريحات العقيمة حول تطبيق القرار ١٧٠١، وعدم القدرة على التجاوب مع الإهتمامات الدولية بتجنيب لبنان حرباً واسعة، تهدد البقية الباقية من مقومات الصمود. 

عندما زار رئيس المخابرات الفرنسية برنار إيميه بيروت قادماً من تل أبيب، في الأسابيع الأولى للمواجهات في الجنوب، أبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه شاهد في إسرائيل «جنون الحرب»، وأبرَزَ خريطة إسرائيلية تبين بنك الأهداف في حال نشوب حرب مع لبنان، تشمل المرافق الأساسية في البلد، بدءاً بالمطار وصولاً إلى أقصى الشمال. 

فكان جواب أحد المسؤولين بكل بساطة: إنقذونا من جنون نتنياهو!!

أحدث أقدم