النيران من فوقهم والرمال من تحتهم: هكذا ابتلعت «المواصي» نازحيها

كتب يوسف فارس في الأخبار:

صباح السبت، وبينما كان نازحو منطقة مفترق النص في شارع الرشيد في منطقة المواصي، غربي مدينة خانيونس، يبدأون اليوم الـ81 بعد المئتين من الحرب، نفّذت الطائرات الحربية الإسرائيلية، واحدةً من أشدّ مجازرها بشاعة على الإطلاق، إذ استهدفت بناية قالت إنها تُستخدم من قِبَل عناصر لجنة الطوارئ الحكومية التابعة لحركة «حماس»، قبل أن تزعم لاحقاً أنها تهدف من وراء العملية، إلى اغتيال القائد العام لكتائب «القسام» محمد الضيف، وقائد لواء خانيونس رافع سلامة. وعلى نحوٍ متتابع، استهدفت عدداً من المرافق المكتظة بالنازحين، فقصفت تكية للإطعام المجاني، ومحطة مياه هي المصدر الرئيسي الذي يقصده آلاف سكان الخيام كل صباح، وعدداً من سيارات الدفاع المدني، ومركبة إسعاف تتبع جمعية «الهلال الأحمر»، ونقطة لتوزيع الغاز، بالإضافة إلى عدد كبير من خيام النازحين المحيطة بالمكان.وبحسب أحمد نبيل، وهو طبيب أسنان يدير عيادة لعلاج النازحين في المكان، فإن الطائرات الحربية أطلقت نحو 9 قنابل شديدة الانفجار بشكل متتابع. وعقب ذلك، أحاطت أعداد كبيرة من طائرات «الكواد كابتر» المسلحة أجواء مسرح الهجوم، وشرعت في إطلاق النار تجاه كل من يقترب من مسرحه، وهو ما ضاعف أعداد الشهداء. وتابع نبيل، في حديثه إلى «الأخبار»: «أما ما تسبّبت به الغارات، فهو المئات من الشهداء والمصابين، كل الإحصائيات التي تحدثت عن 120 شهيداً و300 جريح حتى اللحظة ليست دقيقة، لأن العشرات من الشهداء ابتلعتهم الرمال بالمعنى الحرفي للكلمة».

وبحسب شهود عيان، فقد تسبّبت الغارات التي استُخدمت فيها قنابل أميركية الصنع من نوعَي «أم كي 84» تزن الواحدة منها قرابة طن من المواد الشديدة التدمير، و»jdam» أو البرد الثقيل، في صناعة حفر عميقة جداً، فيما أظهرت المشاهد التي نقلها الصحافيون من مكان الحادثة، المئات من النازحين وهم يبحثون عن جثامين أبنائهم التي ابتلعتها رمال المنطقة الصفراء. وعن تلك القنابل التي قُصفت بها خيام النازحين المصنوعة من النايلون، ذكر موقع «ميفزاك لايف» العبري أن زنة الرأس المتفجّر منها 900 كيلوغرام، وباستطاعتها إحداث حفرة عرضها 15 متراً وعمقها 11 متراً، وتخترق حتى 38 سنتمتراً من المعدن و3.3 من الخرسانة المسلحة، وهي ذات القنابل التي استخدمتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في هجومها على المفاعل النووي العراقي في عام 1981.

في ثلاجات الموتى في مستشفى «ناصر»، تكدّست جثامين 70 شهيداً لم يكن ذووهم قد تعرّفوا إليهم بعد


وأعلنت زارة الصحة الفلسطينية أن حصيلة المجزرة الكبرى التي وقعت في تلك المنطقة، تجاوزت الـ120 شهيداً، فضلاً عن إصابة 300، العشرات منهم في حالة حرجة. وعن سبب الخسائر البشرية الكبيرة، قال النازح رامي الزرد إن المنطقة التي وقعت فيها المجزرة، مزدحمة إلى الحدّ الذي لا تستطيع معه المشي فيها على قدميك في ذلك الوقت من النهار. وتابع، في حديثه إلى «الأخبار»: «لم يتوقّف الحدث على القصف بالأحزمة النارية، إذ استهدفت الطائرات المُسيّرة وطائرات الكواد كابتر كل مَن حاول الاقتراب من المكان، شاهدنا بأم العين». وفي ثلاجات الموتى في مستشفى «ناصر»، كان المشهد أكثر صعوبة، إذ تكدست جثامين 70 شهيداً لم يكن ذووهم قد تعرّفوا إليهم بعد، بينما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مناشدات مرفقة بصور لمفقودين، لم تصل جثامينهم إلى المستشفيات، ولم يعثر ذووهم عليهم بعد.

وأمام كل المشاهد الدموية القاسية، ظهرت تصريحات قادة جيش الاحتلال في القنوات العبرية، باردة وغير مكترثة بالضحايا، علماً أن العملية كلّها بنيت على شكوك بأن قائد الذراع العسكرية لحركة «حماس» موجود في المكان، وقد نُفذت على رغم أن القيادة الأمنية تدرك أنها ستتسبّب بعدد كبير من الضحايا في أوساط المدنيين. 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال