كتب ميشال أبو نجم في الشرق الاوسط:
كثيرة الهموم التي تشغل المواطن اللبناني والرأي العام: من الخوف من تدهور الأوضاع جنوباً إلى حرب مفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل، إلى الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، إلى الملفات الأخرى المالية والصحية والتعليمية… بيد أن هناك ملفين رئيسيين انتقلا إلى مقدمة اهتمام اللبناني ولهما عنوانان: «الوضع الأمني» و«الوجود السوري في لبنان». هما حاضران بقوة بحيث إن الأحداث الأمنية المتنقلة في الأسابيع الأخيرة أفرزت جدلاً وخطاباً شعبوياً وطُرحت حلول واتُخذت إجراءات على مستويات مختلفة، منها المستوى المحلي. وعيبها إما أنها جاءت متأخرة أو جزئية أو أنها غير مضمونة النتائج. من هنا، فإن «الشرق الأوسط» حملت الملفين إلى المسؤول الأول عنهما، وزير الداخلية بسام المولوي، خلال زيارته إلى العاصمة الفرنسية.
محصلة الخطة الأمنية
يعكس كلام الوزير مولوي ارتياحه لنتائج الخطة الأمنية التي أقرّتها وزارته وبدأت تطبيقها منذ 23 أبريل (نيسان) الماضي. وبنظره، فإن الخطة المذكورة جاءت رباعية الأهداف: منع المخالفات، ملاحقة المطلوبين وتطبيق القانون على كل الأراضي اللبنانية ، توفير الشعور بالأمن للمواطنين في بيروت وكل لبنان، ورفع معنويات القوى الأمنية لتتمكن من القيام بمهماتها كاملة. وبحسب وزير الداخلية، فإن الخطة الأمنية جاءت استجابة لشكوى المواطنين، ويقول: «الدولة سمعت صوتهم. اشتكوا من التفلت الأمني، من عدم القدرة على سلوك طريق المطار من المطار نحو بيروت في ساعات الليل، من عدم القدرة على التجول أو التنقل بحرية ومن عدم القدرة على ممارسة الرياضة على الكورنيش البحري بحرية من جراء كثرة المخالفات». وبعد شهرين من البدء في تنفيذها، يعتبر مولوي أن الخطة حصدت نجاحاً «واضحاً»: عنوانه «الانخفاض الكبير جداً في معدل الجرائم وحتى وقف الجرائم التي كانت تحصل في بيروت». ولم يفت وزير الداخلية الإشارة إلى وجود «بعض المتضررين» من تطبيق الخطة، واصفاً إياهم بـ«القلة القليلة» التي اعتادت على غياب الدولة فاعتادوا الفوضى، لكن «هذا الموضوع لا يجب أن يستمر واللبنانيون يشعرون بالارتياح لحفظ الأمن والنظام وبسط سلطة القانون».
ثمة سؤالان يُطرحان بقوة: الأول، هل كل الأراضي اللبنانية مفتوحة أمام القوى الأمنية؟ جواب الوزير مولوي يأتي قاطعاً: «نعم، كل الأراضي اللبنانية مفتوحة أمام القوى الأمنية، والدليل التوقيفات التي تجريها هذه القوى في كل الأراضي اللبنانية، حتى تلك التي ينظر إليها على أنها عصية على القوى ألأمنية. هي تداهم المطلوبين وتلاحق مروجي المخدرات وتراقب وتتابع مَن عليهم شبهة أمنية إرهابية أو أعمال منافية للقانون وحتى داخل المخيمات الفلسطينية أو السورية». وإحدى مظاهر النجاح أن الأجهزة الأمنية المعنية (شعبة المعلومات، الأمن العام ومديرية المخابرات) تعمد إلى القيام بما سماه «الأمن الاستباقي» نجحت في توفير الحماية للبنان من «الجرائم الأمنية»، والمقصود بها الجرائم الإرهابية.
أما السؤال الآخر، فمحوره الأسباب التي جعلت وزارة الداخلية تتأخر في إطلاق خطتها. يتحفظ وزير الداخلية على هذه المقاربة، حيث يؤكد أن وزارته كانت تعمد وباستمرار إلى إطلاق الخطط الأمنية اللازمة في المناسبات الدينية كافة وغير الدينية، أكان ذلك في باب أقامة الحواجز أم منع إطلاق النار في المناسبات… إلا أن الخطة الأخيرة «أصبحت أكثر ظهوراً في الشهرين الأخيرين». إلا أنه، بالمقابل، لا ينفي تأثير الأزمتين المالية والاقتصادية «بشكل كبير» على إمكانات القوتين العسكرية والأمنية. لكنه يرى أن ميزانية العام 2024 «وفّرت لقوى الأمنية بعض حقوقها» التي قدّرها بـ«أضعاف عدة» عما كانت عليه في العامين السابقين، وبالتالي «هي اليوم مقبولة». بيد أن الوزير مولوي يبدي اعتراضه على ما يسميه «مقولة القلب يجاور المعدة» بمعنى أن النقص في الإمكانيات، في ما خص المؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية لا يجب أن ينعكس على أدائها، وأن أمراً كهذا «يصح في العمل التجاري، ولكن لا يصح في العمل المؤسساتي».
النزوح السوري: ما هو الحل؟
يضع وزير الداخلية، بدايةً، ملف الوجود السوري «الشائك جداً» في إطاره العام؛ إذ إنه «مرتبط بالسياسة الدولية وبالمواقف الغربية الأميركية والأوروبية، ومرتبط كذلك بالوضع (الداخلي) في سوريا». ولذا؛ فإن الحل «المتكامل» لهذا الملف «مرتبط بالحل المتكامل للأزمة السورية، سواء داخل سوريا أو في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية ومجمل الدول الغربية». بيد أنه يسارع للقول: «إننا في لبنان لا نستطيع أن ننتظر هذا الحل المتكامل للبدء بتنفيذ الإجراءات التي هي مفروضة علينا بحسب القانون، والتي من شأنها أن تعيد الأمور ولو جزئياً ولو شيئاً فشيئاً إلى نصابها. لبنان يستطيع أن يطبق القوانين اللبنانية وأن يطبق المعاهدات الدولية التي وافق عليها. فلبنان ليس بلد اللجوء». ويضيف: «نحن لا نستطيع أن نترك وضع اللجوء السوري يضر بلبنان ويضر بالسوريين ويضر بمستقبل سوريا. هدفنا ليس تنظيم الوضع السوري في لبنان. نحن هدفنا خطة عودة (النازحين) مع إطار زمني».
ثمة الكثير يقال عن تبعات النزوح السوري الكثيف إلى لبنان مع تفلت الحدود وعبء النزوح الاقتصادي والضغوط على البنى التحتية والمدارس والمستشفيات والأمن، والأهم التغيير الديموغرافي في بعض المناطق. وبحسب الوزير مولوي، فإن عدد النازحين السوريين بتجاوز المليونين، وأن 32 في المائة من المساجين في لبنان سوريون، وأن عدد الموقوفين منهم بسبب ارتكاب الجرائم يبلغ 75 ألف شخص، ومن الصعب «إنكار هذه الحقيقة» كما أن هناك «نوعية من الجرائم التي يرتكبها السوريون هي غريبة على المجتمع اللبناني، وبالتالي إن الوجود السوري الكثيف يؤثر على الأمن في لبنان». وما يفاقم الأمور أن غالبية السوريين في لبنان «لا يحوزون إقامة شرعية صادرة عن الأمن العام اللبناني»، وبالتالي «تصعب متابعتهم» أو ملاحقة ما يقومون به.
يقول وزير الداخلية إن 600 ألف سوري فقط حاصلون على إقامة شرعية، وإن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين زوّدت الأمن العام «بعد مفاوضات عسيرة» بلوائح (داتا) غير مكتملة المعلومات تضم 1.486 مليون شخص، وهؤلاء حاصلون على بطاقات من المفوضية. لذا؛ فإن الأمن العام بدأ «في إجراءات فعلية لدعوة السوريين إلى التقدم من مراكزه المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة؛ لتسجيلهم، أولاً لأخذ (الداتا) أو قاعدة البيانات المتعلقة بهم وللتحقق من أحقية وجودهم في لبنان وأسبابه». وعملياً، ينتظر أن ينجز الأمن العام هذه المهمة خلال 13 شهراً. ويعمل الجهاز على إقامة مركزين كبيرين (ميغا سنتر) في الدامور وحارة صخر لاستقبال السوريين.
ما بين العودة الطوعية والآمنة
يأخذ وزير الداخلية على الدول الغربية طريقة تعاطيها مع ملف نزوح السوريين بسبب خشيتها من هجرتهم من لبنان إلى أوروبا. بيد أن هناك أسباباً أخرى، منها رفضها إعادتهم لسوريا؛ لأن ذلك يعني التطبيع مع النظام وهم يرفضونه. ويرمي مولوي المسؤولية على المفوضية الدولية التي تقوم بدفع المساعدات للسوريين في لبنان؛ ما يحفزهم على المجيء إليه والبقاء فيه بدلاً من أن توفرها لهم في سوريا «وبذلك يقوم السوري بإعمار بلاده بصرف النظر عن السياسة، وبصرف النظر عن موقف الاتحاد الأوروبي أو موقف الولايات المتحدة من مسألة اللاجئين». وقناعة وزير الداخلية أن «معظم السوريين في لبنان موجودون فيه لأسباب اقتصادية… إنما لبنان لا يتحمل هذا الوجود السوري الكثيف. نحن نقول إن اللبناني ليس عنصرياً بطبيعته. ما تقوم به الدولة اللبنانية ليس بالمطلق من باب العنصرية. واللبناني ينظر إلى الموضوع بمجمله من باب المصلحة اللبنانية العليا، ومن باب إمكانية استمرارية التنوع اللبناني واستمرارية توافر فرص العمل للبناني…».
يؤكد الوزير مولوي أن رسالته لمن يلتقيهم من المسؤولين الدوليين أن لبنان «ليس بلداً للبيع ولا يمكن إغراؤه بمساعدات هدفها إبقاء السوريين أو توطينهم في لبنان». ويضيف بخصوص تمسك المفوضية والدول الغربية بما يسمونه العودة الطوعية، الآمنة والكريمة: «أنا أقول دائماً إن عودة السوري إلى سوريا يجب أن تكون عودة آمنة، وذلك من منطلق حقوق الإنسان ومعاهدة واتفاقية مناهضة التعذيب التي وافق عليها لبنان. أما بالنسبة إلى مقولة العودة الطوعية، فذلك شأن آخر. ما نراه أن الوجود الطوعي السوري في لبنان يجب أن يكون ضمن إمكانيات وسياسة الحكومة اللبنانية ووفق تقديرها. نحن طبعاً مع العودة الآمنة، أما موضوع العودة الطوعية فأمر لا أقرّه وفيه نظر».