-->

تأثير الذكاء الاصطناعي على مهنة الصحافة

  أحمد الخليلي- خاص Lebanese Citizens  
شهدت مهنة الصحافة تغيرات جذرية خلال العقدين الأخيرين بفعل التقدم التكنولوجي السريع، وكان للذكاء الاصطناعي (AI) دور بارز في هذه التحولات. أدى تطور الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات كبيرة في كيفية جمع الأخبار، وإنتاجها، وتوزيعها، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الصحافة التقليدية وقدرتها على التكيف مع هذه التغيرات.

ساهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تسريع عملية جمع الأخبار وتحليلها. أصبحت أنظمة التعلم الآلي قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قياسي، مما يساعد الصحفيين على تحديد الأخبار المهمة بسرعة أكبر. على سبيل المثال، تستخدم خوارزميات التعلم الآلي لتحليل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والتعرف على المواضيع الرائجة، والتنبؤ بالأحداث المستقبلية. 

ومع تزايد حضور الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، برزت مقاربتان علميتان متضاربتان: الأولى مؤيدة لهذا الحضور وتدعم تزايده، والأخرى تحذر منه وتدعو لإبطائه أو حتى التخلص منه.

الفرضية الأولى، التي تنتمي إلى تيار التفاؤل التكنولوجي، ترى أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تعزيز كفاءة ودقة وانتشار العمل الصحفي. وفقًا لجيمس برايدل في كتابه "عصر مظلم جديد: التقنية والمعرفة ونهاية المستقبل"، يعتبر التسارعيون اليساريون أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكنها أتمتة المهام المتكررة، وتحليل مجموعات البيانات الكبيرة، وتوليد رؤى وأفكار قد لا تكون في متناول الصحفيين البشر. علاوة على ذلك، توفر الصحافة المدعومة بالذكاء الاصطناعي إمكانية توسيع نطاق إنتاج الأخبار والوصول إلى شرائح أوسع من الجماهير.

على النقيض، يرى تيار التشاؤم التكنولوجي أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة يثير مخاوف جمّة بشأن أخلاقيات المهنة، والتحيز المعلوماتي، والمعلومات المضللة، والقضاء على الوظائف. يعترف أصحاب هذه المقاربة بأن أدوات الذكاء الاصطناعي تسهل العديد من المهام الروتينية في الصحافة، إلا أنهم يؤكدون على أن المنظور الإنساني (أو النزعة الإنسانية) ضروري لفهم القضايا المعقدة ووضعها في سياقها ومراعاة الشروط الأخلاقية. باختصار، يرى هؤلاء ضرورة النظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة تكميلية تساعد الصحفيين في عملهم مع الالتزام بالمبادئ المهنية الراسخة للصحافة.

ورغم الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي في مهنة الصحافة، تظل هناك تحديات أخلاقية ومهنية. من أبرز هذه التحديات مسألة دقة المعلومات، حيث يمكن أن تؤدي خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى نشر أخبار زائفة إذا لم تكن مدربة بشكل صحيح. بالإضافة إلى ذلك، يثير استخدام الذكاء الاصطناعي مخاوف بشأن فقدان الوظائف التقليدية للصحفيين، حيث يمكن للأتمتة أن تحل محل بعض المهام التي يقوم بها الصحفيون. وأظهرت دراسة أجرتها "مؤسسة نيمان" التابعة لجامعة هارفارد أن الذكاء الاصطناعي يمكنه توليد تقارير إخبارية بسيطة بدقة وسرعة فائقة، مما يزيد من كفاءة غرف الأخبار . ومع ذلك، تظل هذه التقارير محدودة إلى حد كبير في تغطية الأخبار التي تتطلب تحليلاً عميقًا أو تقريرًا ميدانيًا.

في الختام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا وفرصة لمهنة الصحافة وللصحفيين على حد سواء. ينبغي على الصحفيين أن يكونوا على دراية بالتكنولوجيا الجديدة وأن يتكيفوا معها للاستفادة من فوائدها وتعزيز دورهم في مجال الإعلام.
أحدث أقدم