تجلس طويلاً أمام عينَي أمل، تخالهما ستضحكان للحظة، أو تبكيان ربما، لا تدري أي غصّة تسكن بين الضلوع، وأي دمعة ستكفي في وداع ملاك الجنوب.
ليست الطفلة الأولى التي اغتالتها يد الإجرام الإسرائيلي، فمنذ 7 أكتوبر غادرنا في غزة الآلاف من الأطفال الأبرياء إلى مكانٍ أكثر رحمة من هذه الأرض، وكذلك في الجنوب، لا سيما خلال العدوان الأخير على النبطية. وأن نبكي أمل، فلأنها تذكّرنا بجميع مَن سبقوها، الذين عجزت حضارة القوى العظمى عن حمايتهم، إن لم نقل تواطأت على قتلهم.
يتسابق العالم على ابتكار ما يذهل البشرية، وتخيّلوا أنّ مجرّد شريحة ستُزرع في أدمغتكم ستكون كفيلة بالتحكم بأدق التفاصيل، حتى أنكم ستتحكمون بفأرة الكومبيوتر بمجرّد التفكير. وهذه الحضارة نفسها عاجزة عن حماية أطفال وشيوخ ونساء يُقتلون يومياً، وعن انتزاع شريحة الإجرام الدموي من رأس "دراكولا" القرن الواحد والعشرين.
أبكتنا ملاك الجنوب كثيراً، فلماذا أمل؟
نتوقف عند عينَي أمل كي لا نعتاد على مشاهد القتل والدمار وتصبح من يومياتنا.
نتوقف عند عينَي أمل كي لا يصبح خبر استشهاد أهل الجنوب مجرّد خبر عاجل على هواتفنا.
نتوقف عند عينَي أمل لأن طفولة الجنوب المذبوحة هي طفولة هذا الوطن المقهور على مذابح حروب الآخرين وتسوياتهم فوق أرضه.
نتوقف عند عينَي أمل لأن ثمن رسم خريطة المنطقة ومناطق النفوذ ليس من دمائنا وأحلام أطفالنا.
نتوقف عند عينَي أمل لأن أحلامها المكسورة هي كأحلام أولادنا، بلعبة وأصابع الشوكولا وآيس كريم، وعندما يكبرون بمدرسة وجامعة وحبيبة ومنزل وعائلة. وكم نحتاج إلى وطن يحميهم لا يرميهم في بطون الطائرات، مهجّرين في الأرض.
نتوقف عند عينَي أمل لأن إرادة الحياة فينا يجب أن تكون أقوى من إرادة الموت، فليس قدراً أن ندفع الفاتورة عن الجميع كلّما جنّ هذا الشرق.
نتوقف عند عينَي أمل كي نقول لا للحرب، ولا للموت المجاني. ويا ليت الموفدين يوقفون الإجرام الإسرائيلي بحقّ لبنان بدلاً من التبرّع بالنصائح.
أطفالنا وُلدوا ليعيشوا، ويكبروا، ويحلموا، ويبدعوا.. فمَن يحرس براءتهم من نارهم وقذائفهم وجدار صوتهم؟
تطول الجلسة مع أمل. مبكية اللحظات أمام وجهها البريء وخصل شعرها الذهبي. وكم تشبه أمل الدرّ وجه ألكسندرا نجار، فشهيدة الجنوب كشهيدة بيروت يوم انفجرت العاصمة بأهلها في الرابع من آب. ولا زال حزننا
موجع كعينَي أمل وألكسندرا.