مع «الخط الأحمر» الجديد الذي تم خرْقُه عبر الهجوم على قاعدة أميركية في الأردن الذي انضمّ للمرة الأولى إلى كل من العراق وسورية اللذين تحوّلا بعد «طوفان الأقصى» مسرحاً لاستهدافاتٍ ضدّ القوات الأميركية «وكالةً» عن إيران وحفْظاً لـ «الخيط الرفيع» الذي يفصل بين حربٍ موسّعة ولكن مضبوطة في المنطقة عبر «ساحات المشاغَلة» وبين الانفجار الاقليمي الشامل، ازداد «شدُّ الأعصابِ» في بيروت بما يتماثل مع الأبعاد فوق العادية لرفْع منسوب السخونة في منطقةٍ تبدو وكأنها تسير فوق حبل مشدود يفاقِم الضغطَ عليه استمرارُ التصعيد التصاعُدي في الاستهدافات الاسرائيلية لمجموعاتٍ موالية لطهران أو لأهداف إيرانية في سورية، كما في عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، وبقاءٍ جبهة جنوب لبنان على حماوتها واحتمالاتها المفتوحة على أسوأ السيناريوهات.
ورغم «النافذةِ» التي شكّلها كلام البيت الأبيض عن أن المحادثات حول اتفاقٍ لإطلاق سراح الرهائن لدى «حماس» بناءة وإعرابه عن الاعتقاد بأن «هناك إطاراً لمثل هذا الاتفاق»، فإن «أبوابَ الريح الساخنة» التي هبّت من جبهات جديدة على المنطقة أبقتْ على التحسُّب الأعلى من حدَثٍ ما يسبق ترجمة أيّ اختراق محتمل في ما خص حرب غزة أو يواكبه، سواء في إطار تدحْرجٍ تلقائي لتطورٍ معيّن، أو في سياق محاولةِ اسرائيل الارتداد على مسارِ «المعالجة بالمفرّق»، بدءاً من غزة، عبر سعيها الى الزج بساحاتِ الإسناد للقطاع، ولا سيما جنوب لبنان، بحيث تَعتبر الصِدامَ بمثابة «الضرورة» لكسْر المأزق المتعدّد الجبهة والعبور إلى حلٍّ «بالجملة».
وإذا كان تلويحُ واشنطن أمس بردٍّ «بالطريقة اللازمة» على الهجوم بمسيّرة على قوات أميركية في الأردن ومقتل ثلاثة عسكريين وجرح العشرات، ولكن تحت سقف «لا نسعى إلى حرب مع إيران ولا نريد نزاعاً أوسع في الشرق الأوسط» اعتُبر مؤشراً إلى ثبات الولايات المتحدة على خيارها بعدم الانجرار إلى صراعٍ كبير والاكتفاءِ بإجراءاتٍ «موْضعية» في مواجهة «خشونة» إيران (عبر أذرعها) التي تنصّلت بدورها من الهجوم، وسط تقديرات بأن «الأبواب السرية» بين واشنطن وطهران ستشهد تكثيفاً للرسائل لـ «ترسيم» أطرٍ لردّ أميركي «محدَّد ومكشوف»، فإنّ المخاوف تعاظمتْ من تحوُّل «العنصر الإيراني» عاملاً مؤثّراً في السباق إلى «البيت الأبيض» وسط خشية من أن تصبح هذه المسألة بحال طالت حرب غزة أكثر محورَ «مزايداتٍ» بين الديموقراطيين والجمهوريين اللذين يلامس صراعُهما «دوائر حمراء» غير مسبوقة كالتي يعبّر عنها «لغم تكساس» والأسلاك الشائكة على حدودها مع المكسيك.
وفي موازاة العين الشاخصة على كيفية إدارة كل من الولايات المتحدة وإيران «المواجهة بقفازاتٍ» بينهما، فإن الحدود اللبنانية – الاسرائيلية تبقى «الجبهة الرديفة» الأكثر رصْداً وخصوصاً في ضوء إصرار تل ابيب على الفصل بينها وبين مصير غزة وفرْض ما يشبه «المنطقة العازلة»، أي الخالية من «حزب الله» وقوته الصاروخية بعمق ما بين 7 أو 8 كيلومترات، كحلّ مرحليّ بانتظار نضوج ظروف تفاهم بَري تعمل عليه واشنطن ويفضي الى تطبيق كامل للقرار 1701 على مقلبي الحدود، في مقابل رفْض الحزب أي كلامٍ في أي ترتيبات جزئية أو أشمل قبل انتهاء الحرب في القطاع وعليه.
وإذ كانت تسريباتٌ تبرز حيال إمكان أن تمتنع اسرائيل عن جعْل أي وقف قتال جديد في غزة يَسْري على الجبهة مع لبنان، أو أقلّه تحويل «استراحة المحارب في القطاع» فرصةً لزيادة الضغوط الديبلوماسية، التي كانت بدأت أصلاً، لفرض انكفاء «حزب الله» إلى مسافة تعتبرها آمنة كفاية لعودة مستوطني الشمال الذين لا تتحمّل بقاءهم خارج منازلهم ريثما يُنجز الترتيب النهائي لـ «اليوم التالي» لحرب غزة، برزتْ تقارير لمّحت إلى إمكان محاولة فرض هذه المنطقة بقوة النار، بالتوازي مع ما نُقل عن تحذيرٍ مسؤول إسرائيلي بارز من أن تل ابيب «أقرب من أي وقت» من حرب مع «حزب الله» وأخرى إقليمية محتملة.
وعلى وهج هذه اللوحة، حافظتْ الوقائعُ الميدانية أمس على وتيرتها «الشديدة الانفجار» مع إمعان الجيش الاسرائيلي في غاراته وقصفه على بلدات لبنانية، وزيادة«حزب الله»المنسوب التدميري في عملياته التي استخدم في العديد منها صواريخ«بركان» وعاود استعمال صاروخ«فلق 1»الموجّه.
وفيما زعم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أنّ«طائرات مقاتلة هاجمت مبنيَين عسكريَّين تواجد فيهما عدد من العناصر التابعين لحزب الله في منطقة يارون في جنوب لبنان»، لافتاً إلى أن«الجيش هاجم في وقت سابق موقعاً تمّ إطلاق قذائف منه باتجاه شمال البلاد»، شنّ الحزب سلسلة عمليات ضدّ مواقع وثكن عسكرية وتجمعات للجنود أكد تحقيق إصاباتٍ مباشرةَ فيها.
تطبيق الـ 1701 وترسيم الحدود
في الأثناء، انهمك لبنان الرسمي بمتابعة تداعيات وقف بعض الحكومات تمويل«الاونروا»، وكان هذا الملف محور لقاء بين وزير الخارجية عبدالله بوحبيب مع السفيرة الأميركية ليزا جونسون حيث اعتبر أن«قطع المساعدات عن الأونروا خطأ تاريخي سيؤدي إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين أي أمل بحياة ومستقبل أفضل وسيشكل تهديداً للأمن الإقليمي ولأمن الدول المضيفة والدول المانحة على حد سواء».
وكان بوحبيب أطلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على نتائج الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن في نيويورك على المستوى الوزاري في شأن الوضع الراهن في الشرق الاوسط ووضعه في أجواء الاجتماعات واللقاءات التي عقدها وأبرزها مع الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وشدد بوحبيب على ان «رؤية لبنان من أجل تحقيق الأمن والاستقرار المستدام في جنوب لبنان تقوم على التطبيق الشامل والكامل للقرار 1701، ضمن سلة متكاملة بضمانات دولية واضحة ومعلنة».
وفي تصريحات لـ «سكاي نيوز عربية» أعلن وزير الخارجية اللبناني «أننا نطالب بتطبيق الـ 1701 وترسيم الحدود مع إسرائيل، وانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في جنوب لبنان ووقف كل الخروق الجوية من الطيران الإسرائيلي»، مؤكداً أنه «إذا توقف إطلاق النار في غزة فسيتوقف إطلاق النار في جنوب لبنان».
وإذ رأى أن «وقف القتال جنوب لبنان صعب بسبب التهديدات الإسرائيلية اليومية المستمرة، ولبنان يقوم فقط برد فعل على هذه الإعتداءات»، الحدود، لكنها اليوم هي المعتدية بطريقة ظاهرة ومُعلنة، قال رداً على طلب إسرائيل انسحاب «حزب الله» من جنوب الليطاني 7 كيلومترات أن «لبنان لا يعمل لدى إسرائيل ونحن لا نرضخ لتعليماتها، لذلك يجب أن توقف اعتداءاتها على لبنان وبعدها نبحث بباقي القضايا».
وإذ أعلن «سنطبق القرار 1701 عندما تلتزم إسرائيل به، ونطالب بمفاوضات غير مباشرة لحل النقاط الخلافية»، كشف أن «المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين نقل إلينا بعض الأفكار لكنها غير مكتملة».
وكان هوكشتاين عبّر عن القلق من تدهور الأوضاع على الحدود الجنوبية للبنان، وقال في مقابلة معه عبر شبكة «سي بي سي»، «أعتقد أننا جميعاً يجب أن نكون قلقين للغاية في شأن جبهة أخرى. وفي الواقع، لدينا إلى حد ما جبهة بالفعل».
وأضاف: «منذ بداية هذا الصراع، في اليوم التالي لـ 7 أكتوبر و 8 أكتوبر كان هناك قصف من لبنان نحو إسرائيل، ورد فعل. ومنذ ذلك الحين ونحن في نوع من القتال منخفض الدرجة بين إسرائيل ولبنان، وكان الرئيس بايدن واضحاً في أننا نريد أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع تصعيد هذا الصراع وجعله في أدنى مستوى، كل لا يتحول إلى صراع شامل».
وعن موضوع التفاوض على الحدود البرية بعدما رعى الاتفاق البحري بين لبنان واسرائيل، قال: «قبل أكثر من عام، تمكنّا من التفاوض على حدود بحرية، وهي المرة الأولى تتوصل فيها إسرائيل ولبنان الذي لا يعترف بإسرائيل ديبلوماسياً، إلى نوع من اتفاق حدود. ما نحتاج إلى القيام به الآن، هو الوصول إلى وقف الأعمال العدائية في كلا الجانبين، فلا يكون الأشخاص الذين يزيد عددهم عن 100000 شخص تقريباً على كل جانب، لاجئين في بلدانهم».
وتابع: «هذا ليس مجرد وقف لإطلاق النار، بل يتطلب جزءاً أكثر تعقيداً من المفاوضات لضمان وجود الجيش اللبناني في تلك المنطقة، وأن يكون هناك المزيد من معايير الأمن للمدنيين. ولكن بمجرد أن نفعل ذلك، نحتاج إلى بدء النظر في كيفية وضع علامات على الحدود، الحدود الفعلية، بين البلدين حتى نتمكن من تحقيق الأمن والسلام على المدى الطويل، في منطقة شهدت العديد من جولات الصراع على مدى السنوات العديدة الماضية».
وهل يعود قريباً؟ أجاب: «من المحتمل أن أعود قريباً. لكنني أعتقد أن هذا شيء نقوم به كل يوم، وليس فقط عندما نكون في المنطقة. نحن نفعل هذا أيضاً عندما نكون هنا».