جاء في الراي الكويتية:
أبى لبنان أن «ينافسَ» عواصمَ العالم التي أسدلتْ الستارةَ على عامٍ طوي باحتفالاتٍ من قوسِ أضواء وألعاب نارية حجزتْ أكثر من دولة خليجية مكانةً لها على «رادارها» بوصْفها من «خمس نجوم» وما فوق ومن الأكثر استقطاباً للعدسات… فهو تفرَّد بمشهديةٍ بدا معها صوتُ مفرقعات العيد التي أطفئ معها «بالمفرّق» ضوءُ «2023 هزيلاً أمام دويّ الصواريخ والمَدافع على جبهة الجنوب التي لم تأخذ استراحةَ «ليلةِ التسليم والتسلّم» بين سنةٍ وأخرى، كما أمام أزيز الرصاص والـ «بي 7» التي أشعلتْ مناطق عدة عند منتصف الليل من خلف ظهْر كل التحذيراتِ من «الابتهاج بالنار» الذي روّع المواطنين.
وهكذا أطلّت 2024 اللبنانية برأسها تنخرها تشظياتُ«حرب المشاغَلة» التي أعلنها «حزب الله» عبر الجبهةِ الجنوبية منذ 8 أكتوبر الماضي إسناداً لغزة بعد«طوفان الأقصى»، والاهتراء المتمادي في بنيان الدولة التي باتتْ أقرب إلى «هيكلٍ عظمي» يتآكلها تبدُّد هيْبتها وتَبَعْثُر أحادية قرارها في ما خص الحرب والسلم وانهيار مالي «تكيَّف» اللبنانيون مع عوارضه فيما تداعياته العميقة تتفشى «بصمت» في الجسم المالي والمصرفي والاقتصادي والمعيشي الذي بات في شبه حال «تخديرٍ» بإزاء الأزمة الأعتى التي عرفها بلد في العالم منذ 1850.
وحتى مَظاهر الاحتفالات التي «يعتنقها» أبناءُ «بلاد الأرز» وكأنها مِن صلب «المعجزةِ اللبنانية» التي تَحول دون السقوطِ أمام «الأعاصير» الأمنية أو السياسية أو المالية، والتي عمّت غالبيةَ المناطق وراوحتْ بين سهراتٍ مع نجومٍ أحْيوا العيدَ في بيروت وأخرى في المَقاهي والمَلاهي، وبين احتفالاتٍ«بيتوتية»سواء«على قد الحال»أو لا تقلّ صخباً عنها في الليل المفتوح، لم تَسْلم من«الحال الانقسامية»التي غالباً ما تجعل اللبنانيين «يتخندقون» تحت عناوين حزبية أو رياضية، بعدما تحوّل رأس السنة صاعقاً خشي كثيرون أن يفجّر توترات أمنيةً نتيجة دعواتٍ وبمكبرات الصوت لرفْض الاحتفاء برحيل عامٍ في ظل حرب غزة وللتجمع في ساحة الشهداء في وسط بيروت، في مقابل دعوات مضادة عبر مواقع التواصل لتظاهرة في المكان والزمان نفسه تحت عنوان «ما كنا سهرانين بس لعيونكم رح نولّعا سهرة غنائية مجانية…».
وإذ مرّت الليلةُ بهدوءٍ على «جبهة العيد» بعدما نُفِّذ تَجَمُّعٌ للعشرات في «ساحة الشهداء» دعماً لغزة وتضامناً معها، من دون أن يُسجل أي تجمّع مضاد أو محاولات لتعكير السهرات في المطاعم، فإنّ مجمل هذه المناخاتِ بدتْ «تحميةً» لِما ينتظر لبنان الذي يستعيد ابتداءً من اليوم أجندته الزاخرة بالاستحقاقاتِ العالقة، وليس أقلّها الانتخابات الرئاسية التي تدور في حلقةٍ من فراغٍ متمادٍ منذ 1 نوفمبر 2022، وبالمَخاطر الكبرى وعلى رأسها الخشية من انزلاق الوضع على الحدود مع اسرائيل إلى حربٍ تُرْسي تل أبيب تباعاً أرضيّتها ديبلوماسياً وسياسياً تحت عنوان «تنفيذ الـ 1701» وإبعاد حزب الله عن جنوب الليطاني، وعسكرياً بتعمُّد القصف التدميري في مناطق حدودية ولو تحت لافتة «التصويب على أهداف» في هذا المنزل أو ذاك.
إطلالة نصرالله
وتشكّل إطلالةُ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابٍ يوم غد في الذكرى الرابعة لاغتيال قاسم سليماني ما يشبه «البوصلة» التي يَعتبر كثيرون أنها ستحدّد مَعالم المرحلة المقبلة في ما خص الوضع جنوباً وآفاقه كما واقع ساحات «محور الممانعة» في ضوء«الشبْك» الذي حصل بينها منذ 7 أكتوبر على قاعدة «توزيع الأدوار» والمهمات و… الأهداف.
وعلمت «الراي» أن نصرالله سيوجّه في معرض ردّه على التهديدات الاسرائيلية والمطالبات بتنفيذ الـ 1701 بحذافيره إلى صوغ موقفٍ لن يعطي ما قد يُفسّر تطمينات لاسرائيل التي سيؤكد أنها «مردوعة»، وأن المطلوب وقف الحرب على غزة لتعود جبهة الجنوب إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، وأن أي تصعيد من تل أبيب في اتجاه عدوان على لبنان سيُقابل بما يلزم، كما سيتناول مسألة وحدة الساحات من بوابة التكامل الذي ارتسم بين أدوار أطراف محور المقاومة في كل ساحة.
ولن يغيب عن خطاب نصرالله ما نُقل عن مسؤول إسرائيلي من أن «بعض القوات التي انسحبتْ من غزة ستكون مستعدة للتناوب على الحدود الشمالية مع لبنان، ولن نسمح للوضع على هذه الجبهة بالاستمرار، وفترة الستة أشهر المقبلة هي لحظة حرجة «وأن إسرائيل «ستنقل رسالة مماثلة إلى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي يقوم بمهمات مكوكية إلى بيروت» التي تَرَدّد أنه سيعود إليها خلال يناير الجاري، وصولاً إلى دعوة عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان إسرائيل إلى معاودة «احتلال جنوب لبنان»، قائلا إن «على لبنان أن يدفع بالأرض» ثمن الأضرار الناجمة عن هجمات «حزب الله» على شمال إسرائيل.
كما يُفترض أن تحضر في هذه الإطلالة التطورات المستجدة في البحر الأحمر الذي يشهد تسخيناً متصاعداً مع عبور مدمّرة إيرانية مضيق باب المندب نحوه، وذلك غداة أول مواجهة أميركية مباشرة مع الحوثيين وإغراق 3 قوارب لهم وقتْل طواقمها، وصولاً لمؤشراتٍ إلى استعداد بريطانيا لشن ضربات جوية «مؤلمة» ضد الحوثيين تحت عنوان «ردْع التهديدات التي تتعرّض لها حرية الملاحة في البحر الأحمر»، وذلك على وقع تقارير عن خطط وُضعت لهذه الغاية وأن من المتوقع في سياقها استخدام طائرات سلاح الجو البريطاني للمرة الأولى أو المدمرة HMS Diamond.
وفيما يرتبط لبنان حُكْماً بمجمل هذه «الشبكة» من التوترات الآخذة في التمدد، فإن أوساطاً مطلعة استوقفها قرار الولايات المتحدة بسحب «الوحش الاميركي» أي حاملة الطائرات «جيرالد فورد» بعد نحو 80 يوماً من مجيئها إلى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل وبهدف «ردع حزب الله في لبنان وإيران عن توسيع الصراع إقليمياً».
وبدا من الصعب تفسير القرار الأميركي الذي راوح بين كونه تعبيراً عن «اطمئنانٍ» إلى أن الحرب في غزة لم تعُد قابلة للتوسع في اتجاهٍ تفجيري شامل، وبين أن الأمر قد يكون في سياق رسالة إلى اسرائيل التي كرّر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، أمس «ان هناك توافقات وخلافات مع واشنطن» في ما بدا إشارة إلى التباينات في شأن مراحل الحرب وما بعدها وجبهاتها المحتملة، وبين أن سحب حاملة الطائرات مردّه إلى استشعار بأن ثمة تكاملاً في الأدوار ولا سيما مع البريطانيين يملأ أي فراغ ستتركه«جيرالد فورد».
وفي موازاة ذلك، كان الميدان جنوباً يشهد تطورات خطيرة، بينها استهداف القصف المدفعي الاسرائيلي حرم مستشفى ميس الجبل الحكومي، وسقوط قذيفة في موقف السيارات التابع للمستشفى قرب السور، حيث أدّت الى تطاير الشظايا ووصلت الى داخل قسم الطوارئ وحالت العناية الإلهية دون وقوع إصابات في صفوف الطاقم الطبي والتمريضي المناوب.
وسبق ذلك تنفيذ طائرات اسرائيلية غارات استهدفت عدداً من البلدات في الجنوب، بينها على مارون الراس وبنت جبيل حيث أفيد عن توجه سيارات الإسعاف الى مكان الغارة، وذلك بعدما أغارت مسيّرة بصاروخين سقطا بين المنازل في كفركلا وتسببا بدمار هائل مع ترجيحات بسقوط ضحايا، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف مواقع لحزب الله في الأراضي اللبنانية، وأحبط عمليات إطلاق مسيرات.
كما نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة من الغارات استهدفت «اللبونة»عند أطراف بلدة الناقورة ومنطقة بين حولا ومركبا، بالتوازي مع قصف عنيف لعدد كبير من البلدات بينها مروحين والضهيرة وعيتا الشعب وشيحين وعيترون.
في المقابل، دوّت صفارات الإنذار في مستوطنات بتست وحانيتا وليمان وميتسوفه ورأس الناقورة وشلومي في الجليل الغربي ثم في في أفيفيم وبرعام وديشون ودالتون ويفتاح ويرؤون وكيرم بن زمره والمالكية في الجليل الأعلى خشية تسلل طائرات مسيّرة.
وأعلن «حزب الله» في بيان، أنه استهدف ظهر أمس موقع حدب البستان بالأسلحة المناسبة وتمّت إصابته إصابة مباشرة.