كتب ناصر زيدان في الانباء الكويتية:
أسدلت الستارة على العام 2023 وحجبت خلفها مشاهد مضطربة ملأت الساحة اللبنانية على مدار السنة، ولولا بعض الانتعاش المالي الذي شهده الصيف المنصرم جراء قدوم أعداد من السائحين والمغتربين، لكانت المحصلة سوداء قاتمة، في السياسة وفي الاقتصاد، والى حد ما في الأمن الذي عاش أسوأ أوقاته في الربع الأخير من السنة، بسبب العدوان الإسرائيلي على الجنوب، والذي أضيف الى مخاطر فرضها تواجد ما يزيد على مليونين ونصف المليون من النازحين على أرض لبنان، بعضهم مهجرون ومضطهدون، وبعض منهم مرتكبون لا تنطبق عليهم صفة النزوح، في ظل انهيار مالي غير مسبوق.
فشل مجلس النواب المنتخب حديثا في انجاز مهمة اختيار رئيس للجمهورية بعد أن شغر الموقع منذ نهاية أكتوبر 2022، وتعطلت الدولة، وهي في وضعية فاقدة لأي حركة، ينطبق عليها تشبيه البطريرك الراحل نصر الله صفير عام 2016 عندما حصل فراغ مماثل في موقع الرئاسة الأولى، حيث قال عن الدولة بأنها كالعربة التي يشدها حصانان، واحد الى الأمام وواحد الى الوراء. والمحاولات التي قامت بها بعض الكتل النيابية للالتفاف على الانقسام العمودي الحاصل والخروج من الفراغ، لم تنجح في بلورة حل يأتي معه رئيس جديد، ذلك ما حصل في جلسة 14 مايو 2023، فنال مرشح الثنائي الماروني اللدود (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر) ومعهم قوى سيادية أخرى جهاد أزعور على 59 صوتا، بينما حصل مرشح ائتلاف قوى الممانعة سليمان فرنجية على 51 صوت، وضاعت باقي الأصوات الـ 18 على أسماء أخرى، ولم تتكرر المحاولة الانتخابية منذ ذلك التاريخ، برغم حاجة البلد الملحة للانتظام العام، ولوضع دولاب عربة الدولة المتعبة على السكة الصحيحة.
والاضطراب المالي القاسي الذي يعيشه لبنان جراء تعسر القطاع المصرفي وتدهور قيمة الليرة اللبنانية، كان واحدة من أسوأ ثلاث أزمات حصلت في العالم منذ 150 سنة حسب توصيف تقرير للبنك الدولي، وبعض الاستقرار في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي منذ مطلع شهر اغسطس الماضي – تاريخ تقاعد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتسلم المهمة بالوكالة من قبل نائبه وسيم منصوري – لا يبدو أنه حل مستدام للأزمة، ذلك أن الاستهتار التي تدار به المرافق العامة، لا يبشر بحل ناجع، وودائع الناس في البنوك مازالت محتجزة، من دون وضع أي خطة عملية للخروج من المحنة، خصوصا أن الدولة هي المقترض الأساسي من البنوك، وبالتالي هي التي تصرفت بالودائع وهدرتها على قطاعات غير منتجة، لاسيما على الكهرباء المتعثرة.
والاختناقات في مؤسسات الدولة انعكست على كل نواحي الحياة العامة، فقطاع الاستشفاء مهدد بالتوقف عن تقديم الخدمات الصحية، بينما غالبية المواطنين غير قادرين على دفع فاتورة الطبابة بالعملة الصعبة، وصناديق التعاضد ووزارة الصحة عاجزة ايضا عن القيام بالمهمة وحياة مرضى السرطان مهددة بكل لحظة. وذات الوضعية تنطبق على مؤسسات التعليم الرسمي والخاص وفي مراحله المختلفة، والحراك الاقتصادي في أصعب حال، فالركود يسيطر على الأسواق، بينما القطاع العقاري يكبله الجمود الذي كلف المستثمرين خسائر كبيرة.
أقسى ما حصل في لبنان بالعام 2023، كان غياب الإدارة الرشيدة للدولة، والاختلال لم يقتصر على ناحية واحدة، بل يشمل المرافق العامة بمعظمها، ولولا إقدام مجلس النواب على اصدار قانون مدد بموجبه لقائد الجيش ولمدير عام قوى الأمن الداخلي، لكانت البلاد أمام انهيار وفوضى لا يمكن توقع خطورتهما.
للبنان خصوصية لا يمكن تجاهلها، وهو لا يعيش كأسبارطة كما لا يمكن أن يكون مثل أثينا (كما كانتا عبر التاريخ. والفينيقية (العربية) الحديثة تحتاج الى إدارة رشيدة، وهي لا تعيش بلا حنكة وبلا شطارة. وأهم عوامل الشطارة العصرية، الاستفادة من التنوع الموجود، وتنظيم التباينات. أما أسوأ هذه العوامل، فهي اعتماد مقاربة التعطيل التي تؤدي الى نتائج قاتلة، وهو للأسف الخيار الذي لجأت اليه قوى لبنانية وازنة.
حصاد 2023 كان مخيبا، برغم بعض الإنجازات التي تحققت، خصوصا في ملاحقة المهربين ومنع تحويل لبنان الى منصة تصدير للممنوعات التي يتم تصنيعها وتوضيبها بإشراف شرعي خارج الحدود.
اما مكانة لبنان فقد تراجعت، وتلاشت الفكرة اللبنانية الائتلافية المميزة أمام طروحات فيدرالية تقسيمية من جهة، ورؤى «ساحوية» من جهة ثانية، لكن الأمل بما يخبئه العام 2024 من مفاجآت قد تكون ايحابية، لم ينقطع بعد.